للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا حديث غريب من حديث سفيان. قال: وسألت محمدا- يعني البخاريّ- عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوريّ. وفي رواية: لا يعد هذا الحديث محفوظا. ولما نزل فرض الحج بادر رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى الحج من غير تأخير، فإن فرض الحج تأخر إلى سنة تسع أو عشر. وأما قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، فإنها، وإن نزلت سنة ست عام الحديبية، فليس فيها فريضة الحج، وإنما فيها الأمر بإتمامه وإتمام العمرة بعد الشروع فيهما، وذلك لا يقتضي وجوب الابتداء. فإن قيل: فمن أين لكم تأخر نزول فرضه إلى التاسعة أو العاشرة؟ قيل: لأن صدر سورة آل عمران نزل عام الوفود، وفيه قدم وقد نجران على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وصالحهم على أداء الجزية، والجزية إنما نزلت عام تبوك سنة تسع، وفيها نزل صدر سورة آل عمران، وناظر أهل الكتاب ودعاهم إلى التوحيد والمباهلة. ويدل عليه أن أهل مكة وجدوا في نفوسهم لما فاتهم من التجارة من المشركين لما أنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا، فأعاضهم الله تعالى من ذلك بالجزية. ونزول هذه الآيات والمناداة بها إنما كان في سنة تسع. وبعث الصدّيق يؤذن بذلك في مكة في مواسم الحج وأردفه بعليّ رضي الله عنه، وهذا الذي ذكرناه قد قاله غير واحد من السلف والله أعلم. وقوله تعالى:

وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ إما مستأنف لوعيد من كفر به تعالى، لا تعلق له بما قبله، وإما أنه متعلق به ومنتظم معه، وهو أظهر وأبلغ. والكفر، على هذا، إما بمعنى جحد فريضة الحج، أو بمعنى ترك ما تقدم الأمر به. ونظيره في السنة ما

رواه النسائيّ والترمذيّ «١» عن بريدة مرفوعا: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر

. وعن عبد الله بن شقيق قال «٢» : كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة- أخرجه الترمذيّ-

ولأبي داود «٣» عن جابر مرفوعا: بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة.

ولفظ مسلم «٤» : بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة.

وروى الترمذيّ «٥» عن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله


(١) أخرجه النسائي في: الصلاة، ٨- باب الحكم في تارك الصلاة.
والترمذيّ في: الإيمان، ٩- باب ما جاء في ترك الصلاة.
(٢) أخرجه الترمذيّ في: الإيمان، ٩- باب ما جاء في ترك الصلاة.
(٣) أخرجه أبو داود في: السنة، ١٥- باب الدليل على الزيادة والنقصان حديث ٤٦٧٨.
(٤) أخرجه مسلم في: الإيمان، حديث ١٣٤.
(٥) أخرجه الترمذيّ في: الحج، ٣- باب ما جاء في التغليظ في ترك الحج.

<<  <  ج: ص:  >  >>