رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ إلى قوله: وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً [نوح: ٢١] ، وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا [البقرة: ١٢٧] إلى غير ذلك من الآداب التي تؤخذ من مجرد التقرير.
والحاصل أن القرآن احتوى، من هذا النوع، من الفوائد والمحاسن التي تقتضيها القواعد الشرعية، على كثير يشهد بها شاهد الاعتبار، ويصححها نصوص الآيات والأخبار.
وقسم هو المقصود الأول بالذكر، وهو الذي نبه عليه العلماء وعرفوه مأخوذا من نصوص الكتاب، منطوقها ومفهومها، على حسب ما أداه اللسان العربيّ فيه.
وذلك أنه محتو من العلوم على ثلاثة أجناس هي المقصود الأول.
أحدها- معرفة المتوجّه إليه وهو الله المعبود، سبحانه.
والثاني- معرفة كيفية التوجه إليه.
والثالث- معرفة مآل العبد ليخاف الله به ويرجوه.
وهذه الأجناس الثلاثة داخلة تحت جنس واحد هو المقصود الذي عبر عنه قوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: ٥٦] فالعبادة هي المطلوب الأول. غير أنه لا يمكن إلا بمعرفة المعبود. إذ المجهول لا يتوجّه إليه ولا يقصد بعبادة ولا بغيرها. فإذا عرف، ومن جملة المعرفة به أنه آمر وناه وطالب للعباد بقيامهم بحقه، توجه الطلب. إلا أنه لا يتأتى دون معرفة كيفية التعبد، فجيء بالجنس الثاني. ولما كانت النفوس من شأنها طلب النتائج والمآلات، وكان مآل الأعمال عائدا على العاملين بحسب ما كان منهم من طاعة أو معصية، وانجرّ، مع ذلك، التبشير والإنذار في ذكرها- أتى بالجنس الثالث موضحا لهذا الطرف، وأن الدنيا ليست بدار إقامة، وإنما الإقامة في الدار الآخرة.
فالأول- يدخل تحته علم الذات والصفات والأفعال. ويتعلق بالنظر في