للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله ورسوله. وإن الهدى والحق في كلامهم وعباراتهم. وأما كلام الله فإنما يؤخذ من ظاهره التشبيه والتمثيل والضلال، وظاهر كلام المتهوكين الحيارى هو الهدى والحق، وهذا من أسوأ الظن بالله. فكل هؤلاء من الظانين بالله ظن السوء. ومن الظانين به غير الحق، ظن الجاهلية. ومن ظن به يكون في ملكه ما يشاء ولا يقدر على إيجاده وتكوينه- فقد ظن به ظن السوء. ومن ظن به أنه كان معطلا من الأزل إلى الأبد، عن أن يفعل ولا يوصف حينئذ بالقدرة على الفعل، ثم صار قادرا عليه بعد أن لم يكن قادرا- فقد ظن به ظن السوء. ومن ظن به أنه ليس فوق سماواته على عرشه، بائنا من خلقه، وأن نسبة ذاته تعالى إلى عرشه كنسبتها إلى أسفل السافلين، وإلى الأمكنة التي يرغب عن ذكرها، وأنه أسفل كما أنه أعلى، ومن قال سبحان ربي الأسفل، كمن قال سبحان ربي الأعلى- فقد ظن به أقبح الظن.

ثم قال: وبالجملة فيمن ظن به خلاف ما وصف به نفسه، ووصفه به ورسله، أو عطل حقائق ما وصف به نفسه، ووصفته به رسله- فقد ظن به ظن السوء. ومن ظن أن أحدا يشفع عنده بدون إذنه، أو أن بينه وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه، أو أنه نصب لعباده أولياء من دونه يتقربون بهم إليه، ويتوسلون بهم إليه، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه، فيدعونهم ويخافونهم، ويرجونهم- فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه.

ثم قال: ومن ظن به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة وتضرع إليه وسأله واستعان به وتوكل عليه، أنه يخيبه ولا يعطيه ما سأله- فقد ظن به ظن السوء. وظن به خلاف ما هو أهله.

ثم قال: ومن ظن به أنه إن عصاه أو أسخطه وأوضع في معاصيه، ثم اتخذ من دونه وليّا، ودعا من دونه ملكا أو بشرا، حيّا أو ميتا، يرجو بذلك أن ينفعه عند ربه، ويخلصه من عذابه- فقد ظن به ظن السوء. وذلك زيادة في بعده من الله، وفي عذابه. ومن ظن به أنه يسلط على رسوله محمد أعداءه تسليطا مستقرّا دائما في حياته وفي مماته، وابتلاه بهم لا يفارقونه، فلما مات استبدوا بالأمر دون وصيته، وظلموا أهل بيته، وسلبوهم حقهم، وأذلوهم، وكان العزة والغلبة والقهر لأعدائه وأعدائهم دائما من غير جرم ولا ذنب لأوليائه وأهل الحق، وهو يرى قهرهم لهم، وغصبهم إياهم حقهم، وتبديلهم دين نبيهم، وهو يقدر على نصر أوليائه، وحزبه وجنده، ولا ينصرهم ولا يديلهم، بل يديل أعداءهم عليهم أبدا، أو أنه لا يقدر على

<<  <  ج: ص:  >  >>