الإنكار. أي ما لنا أمر يطاع. ونظيره ما حكاه الله عنهم أنهم قالوا: لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا [آل عمران: ١٦٨] . وذلك أن عبد الله بن أبيّ لما شاوره النبيّ صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة، أشار عليه بأن لا يخرج من المدينة، ثم إن الصحابة ألحوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم في أن يخرج إليهم، كما تقدم: ولما رجع عبد الله بن أبيّ بمن معه، وأخبر بكثرة القتلى من بني الخزرج، قال: هل لنا من الأمر شيء؟ يعني أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يقبل قولي حين أمرته بأنه يبقى في المدينة ولا يخرج منها قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ أي التدبير كله لله، فإنه تعالى قد دبر الأمر كما جرى في سابق قضائه فلا مردّ له.
قال الإمام ابن القيّم قدس الله روحه: ليس مقصودهم بقولهم: هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ وقولهم: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا. إثبات القدر، ورد الأمر كله إلى الله. ولو كان ذلك مقصودهم بالكلمة الأولى لما ذموا عليه، لما حسن الرد عليهم بقوله: إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ. ولا كان مصدر هذا الكلام ظن الجاهلية.
ولهذا قال غير واحد من المفسرين: إن ظنهم الباطل هاهنا هو التكذيب بالقدر، وظنهم أن الأمر لو كان إليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تبعا لهم، ويسمعون منهم، لما أصابهم القتل، ويكون النصر والظفر لهم. فأكذبهم الله عز وجل في هذا الظن الباطل، الذي هو ظن الجاهلية، وهو الظن المنسوب إلى أهل الجهل، الذين يزعمون، بعد نفاذ القضاء والقدر الذي لم يكن بد من نفاذه، أنهم كانوا قادرين على دفعه، وأن الأمر لو كان إليهم لما نفذ القضاء، فأكذبهم الله بقوله: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ. فلا يكون إلا ما سبق قضاؤه وقدره، وجرى به علمه وكتابه السابق، وما شاء الله كان ولا بد، شاء الناس أم أبوا. وما لم يشأ لم يكن، شاء الناس أو لم يشاءوه. وما جرى عليكم من الهزيمة والقتل، فبأمره الكونيّ الذي لا سبيل إلى دفعه، سواء كان لكم من الأمر شيء أو لم يكن، وأنكم لو كنتم في بيوتكم، وقد كتب القتل على بعضكم، لخرج الذين كتب عليهم القتل من بيوتهم إلى مضاجعهم ولا بد. سواء أن يكون لهم من الأمر شيء أو لم يكن. وهذا من أظهر الأشياء إبطالا لقول القدرية النفاة، الذين يجوّزون أن يقع ما لا يشاؤه الله، وأن يشاء ما لا يقع- انتهى- يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أي يضمرون فيها، أو يقولون فيما بينهم بطريق الخفية ما لا يُبْدُونَ لَكَ لكونه لا يرضاه الله تعالى. ثم بين ذلك بعد إجماله فقال يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ أي المسموع شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا أي ما غلبنا، أو ما قتل من قتل منا، لأنا كنا نمكث في المدينة ولا نخرج إلى العدوّ. ولما أخبر تعالى بما أخفوه جهلا منهم، ظنّا أن الحذر يغني من القدر، أمره تعالى بالرد عليهم بقوله