للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لي الأرض مسجدا وطهورا، خصصه ما قبله لأن الخاص يحمل عليه العام. واحتجوا أيضا بأن الطيّب لا يكون إلا ترابا. قال الواحديّ: إنه تعالى أوجب في هذه الآية كون الصعيد طيّبا. والأرض الطيبة هي التي تنبت بدليل قوله تعالى وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ [الأعراف: ٥٨] فوجب في التي لا تنبت أن لا تكون طيبة.

فكان قوله فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً أمرا بالتيمم بالتراب فقط. وظاهر الأمر للوجوب.

واحتجوا أيضا بآية المائدة. قالوا: الآية هاهنا مطلقة ولكنها في سورة المائدة مقيّدة وهي قوله سبحانه وتعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة: ٦] وكلمة (من) للتبعيض وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه.

قال الزمخشريّ: وقولهم إن (من) لابتداء الغاية، قول متعسف. ولا يفهم أحد من العرب، من قول القائل: (مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب) إلا معنى التبعيض. ثم قال: والإذعان للحق أحق من المراء. انتهى.

وأجاب القائلون، بجواز التيمم بالأرض وما عليها، عن هذه الحجج- بأن الظاهر من لفظ الصعيد وجه الأرض لأنه ما صعد أي علا وارتفع على وجه الأرض.

وهذه الصفة لا تختص بالتراب. ويؤيد ذلك

حديث: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.

وهو متفق عليه من حديث جابر وغيره. وما

ثبت في رواية بلفظ (وتربتها طهورا) كما أخرجه مسلم من حديث حذيفة

- فهو غير مستلزم لاختصاص التراب بذلك عند عدم الماء. لأن غاية ذلك أن لفظ التراب دل بمفهومه على أن غيره من أجزاء الأرض لا يشاركه في الطهورية. وهذا مفهوم لقب لا ينتهض لتخصيص عموم الكتاب والسنة. ولهذا لم يعمل به من يعتد به من أئمة الأصول. فيكون ذكر التراب، في تلك الرواية من باب التنصيص على بعض أفراد العام. وهكذا يكون الجواب عن ذكر التراب في غير هذا الحديث. ووجه ذكره أنه الذي يغلب استعماله في هذه الطهارة. ويؤيد هذا ما ثبت من تيممه صلى الله عليه وسلم من جدار. وأما الاستدلال بوصف الصعيد بالطيب، ودعوى أن الطيب لا يكون إلا ترابا طاهرا منبتا لقوله تعالى


خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر. وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ. وأحل لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي. وأعطيت الشفاعة. وكان النبيّ يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة» .
وأخرجه مسلم في: المساجد ومواضع الصلاة، حديث ٣
.

<<  <  ج: ص:  >  >>