للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبق في الطلب. بل ذلك سبب المنع. فإن

في الصحيح «١» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أن قوما دخلوا عليه فسألوه ولاية فقال: إنا لا نولي أمرنا هذا من طلبه» .

وقال «٢» لعبد الرحمن بن سمرة: «يا عبد الرحمن! لا تسأل الإمارة. فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها من مسألة وكلت إليها» . أخرجاه في الصحيحين.

وقال «٣» : «من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه. ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل الله إليه ملكا يسدده» . رواه أهل السنن

. فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره، لأجل قرابة بينهما، أو ولّاه عتاقة أو صداقة أو موافقة في مذهب أو بلد أو طريقة أو جنس، كالعربية والفارسية والتركية والرومية. أو لرشوة يأخذها منه من ماله أو منفعة. أو غير ذلك من الأسباب. أو لضغن في قلبه على الأحق. أو عداوة بينهما- فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهى عنه في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: ٢٧] .

ثم قال الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

[الأنفال: ٢٨] . فإن الرجل لحبه لولده أو عتيقه قد يؤثره في بعض الولايات أو يعطيه ما لا يستحقه فيكون قد خان أمانته. وكذلك قد يؤثر زيادة حفظه أو ماله بأخذ ما لا يستحقه أو محاباة من يداهنه في بعض الولايات فيكون قد خان الله ورسوله وخان أمانته. ثم إن المؤدي الأمانة، مع مخالفة هواه، يثيبه الله فيحفظه في أهله وماله بعده. والمطيع لهواه يعاقبه بنقيض قصده. فيذل أهله ويذهب ماله. وفي ذلك الحكاية المشهورة: إن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدّث


(١)
جاء في معناه حديث رواه البخاريّ في: الأحكام، ٧- باب ما يكره من الحرص على الإمارة، حديث ١١٢٩ ونصه: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: دخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنا ورجلان من قومي. فقال أحد الرجلين: أمّرنا يا رسول الله! وقال الآخر مثله. فقال «إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه»
. (٢)
أخرجه البخاريّ في: الأحكام، ٥- باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله عليها. و ٦- باب من سأل الإمارة وكل إليها، حديث ٢٤٨٨ ونصه: عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن! لا تسأل الإمارة. فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها. وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فكفّر عن يمينك وأت الذي هو خير»
. (٣) أخرجه أبو داود في: الأقضية، ٣- باب في طلب القضاء والتسرع إليه، حديث ٣٥٧٨. عن أنس ابن مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>