للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما أدرك. فقال: أدركت عمر بن عبد العزيز، فقيل له: يا أمير المؤمنين! أفقرت أفواه بنيك من هذا المال وتركتهم فقراء لا شيء لهم. وكان في مرض موته، فقال:

أدخلوهم عليّ. فأدخلوهم وهم بضعة عشر ذكرا. ليس فيهم بالغ. فلما رآهم ذرفت عيناه ثم قال: والله! يا بنيّ! ما منعتكم حقّا هو لكم. ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم. وإنما أنتم أحد رجلين: إما صالح فالله يتولى الصالحين. وإما غير صالح فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله. قوموا عني.

قال: ولقد رأيت بعض ولده حمل على مائة في سبيل الله. يعني أعطاها لمن يغرو عليها.

قلت: هذا وقد كان خليفة المسلمين من أقصى المشرق ببلاد الترك إلى أقصى المغرب بالأندلس وغيرها من جزيرة قبرص وثغور الشام والعواصم كطرسوس ونحوها، إلى أقصى اليمن. وإنما أخذ كل واحد من أولاده من تركته شيئا يسيرا، يقال أقل من عشرين درهما.

قال: وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه. فأخذ كل واحد ستمائة ألف دينار. ولقد رأيت بعضهم يتكفّف الناس، أي يسألهم بكفه. وفي هذا الباب من الحكايات والوقائع المشاهدة في الزمان، والمسموعة عما قبله، عبرة لكل ذي لب. وقد دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الولاية أمانة يجب أداؤها، في موضع مثل ما تقدم. ومثل

قوله لأبي ذر رضي الله عنه في الإمارة: «إنها أمانة وإنها يوم القيامة حسرة وندامة. إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه» . فيما رواه مسلم «١» .

وروى البخاريّ «٢» في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قيل: يا رسول الله! وما إضاعتها؟ قال: إذا وسّد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة» .


(١)
أخرجه في: الإمارة، حديث ١٦ ونصه: عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله! ألا تستعملني؟ قال فضرب بيده على منكبي ثم قال «يا أبا ذر! إنك ضعيف. وإنها أمانة. وإنها يوم القيامة خزي وندامة. إلا من أخذها بحقها وأدّى الذي عليه فيها» .
(٢)
أخرجه في: العلم، ٢- باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل، حديث ٥٢ ونصه: عن أبي هريرة قال: بينما النبيّ صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدّث القوم جاءه أعرابيّ فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدّث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال.

<<  <  ج: ص:  >  >>