للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشافعيّ: وأخبرني من لا أتهم من أهل المدينة عن ابن أبي ذئب قال:

قضى سعيد بن إبراهيم على رجل. بقضية، برأي ربيعة بن أبي عبد الرحمن. فأخبرته عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بخلاف ما قضى به. فقال سعد لربيعة: هذا ابن أبي ذئب، وهو عندي ثقة، يخبرني عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بخلاف ما قضيت به. فقال له ربيعة: قد اجتهدت ومضى حكمك. فقال سعد: وا عجبا. أنفذ قضاء سعد بن أم سعد وأردّ قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم! بل أرد قضاء سعد بن أم سعد وأنفذ قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعى سعد بكتاب القضية فشقه، فقضى للمقضيّ عليه.

قال الشافعيّ: أخبرنا أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابيّ. قال. حدثني ابن أبي ذئب عن المقبريّ عن أبي شريح الكعبيّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم «١» قال عام الفتح: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين. إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود» .

قال أبو حنيفة: فقلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا، يا أبا الحارث؟ فضرب صدري وصاح عليّ صياحا كثيرا، ونال منّي وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أتأخذ به؟

نعم. آخذ به، وذلك الفرض عليّ وعلى من سمعه. إن الله تبارك وتعالى اختار محمدا صلى الله عليه وسلم من الناس فهداهم به وعلى يديه. واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه. فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين داخرين. لا مخرج لمسلم من ذلك.

وما سكت حتى تمنيت أن يسكت. انتهى.

قال الإمام الفلّاني في (إيقاظ الهمم) بعد نقل ما مرّ: تأمل فعل عمر بن الخطاب وفعل عمر بن عبد العزيز وفعل سعد بن إبراهيم، يظهر لك أن المعروف عند الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعند سائر العلماء المسلمين،


(١)
أخرجه البخاريّ في: الديات، ٨- باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، حديث ٩٦ ونصه: عن أبي هريرة أنه، عام فتح مكة، قتلت خزاعة رجلا من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين. ألا وإنها لم تحلّ لأحد قبلي. ولا تحل لأحد بعدي. ألا وإنها أحلت لي ساعة من نهار ألا وإنها ساعتي هذه حرام.
لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد. ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما يودى، وإما يقاد» .
فقام رجل من أهل اليمن، يقال له: أبو شاه. فقال: اكتب لي يا رسول الله! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «اكتبوا لأبي شاه» .
ثم قام رجل فقال: يا رسول الله! إلا الإذخر، فإنما نجعله في بيوتنا وقبورنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إلا الإذخر»
.

<<  <  ج: ص:  >  >>