مسعود بذلك قال الحاضر: ما درى عبد الله ما يقول، إلا أنه قال: لو أرخصنا لهم في هذا لأوشك أحدهم إذا وجد البرد أن يتيمّم. وقد قال ابن عباس وفاطمة بنت قيس وجابر: إن المطلقة في القرآن هي الرجعية بدليل قوله: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً [الطلاق: ١] وأي أمر يحدثه بعد الثلاثة؟ وقد احتج طائفة على وجوب العمرة بقوله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: ١٩٦] . واحتج بهذه الآية من منع الفسخ. وآخرون يقولون: إنما أمر بالإتمام فقط. وكذلك أمر الشارع أن يتم. وكذلك في الفسخ قالوا: من فسخ العمرة إلى غير حج فلم يتمها. أما إذا فسخها ليحج من عامه فهذا قد أتى بما تم مما شرع فيه فإنه شرع صلى الله عليه وسلم أصحابه عام حجة الوداع. وتنازعوا في الذي بيده عقدة النكاح وفي قوله: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ [النساء: ٤٣] . ونحو ذلك مما ليس هذا موضع استقصائه. وأما مسألة مجردة اتفقوا على أنه لا يستدل فيها بنص جلي ولا خفيّ، فهذا ما أعرفه. والجدّ، لما قال أكثرهم: إنه أب، واستدلوا على ذلك بالقرآن بقوله: كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الأعراف: ٢٧] ، وقال ابن عباس: لو كانت الجن تظن أن الإنس تسمى أبا الأب جدّا لما قالت: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا [الجن: ٣] . نقول: إنما هو أب، لكن أب أبعد من أب. وقد روي عن عليّ وزيد أنهما احتجا بقياس، فمن ادعى إجماعهم على ترك العمل بالرأي والقياس مطلقا فقد غلط. ومن ادعى أن من المسائل ما لم يتكلم أحد منهم إلا بالرأي والقياس فقد غلط. بل كان كل منهم يتكلم بحسب ما عنده من العلم. فمن رأى دلالة الكتاب ذكرها. ومن رأى دلالة الميزان ذكرها.
والدلائل الصحيحة لا تتناقض. لكن قد يخفى وجه اتفاقهما أو ضعف أحدهما على بعض العلماء. وللصحابة فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين. كما أن لهم معرفة بأمور من السنة وأحوال الرسول لا يعرفها أكثر المتأخرين. فإنهم شهدوا التنزيل وعاينوا الرسول. وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله ما يستدلون به على مرادهم، ما لم يعرفه أكثر المتأخرين الذين لم يعرفوا ذلك فطلبوا الحكم مما اعتقدوه من إجماع أو قياس. ومن قال من المتأخرين: إن الإجماع مستند معظم الشريعة، فقد أخبر عن حاله. فإنه لنقص معرفته بالكتاب والسنة احتاج إلى ذلك.
وهذا كقولهم: إن أكثر الحوادث يحتاج فيها إلى القياس لعدم دلالة النصوص عليها.
فإنما هذا من قول من لا معرفة له بالكتاب والسنة ودلالتهما على الأحكام وقد قال الإمام أحمد رضي الله عنه: إنه ما من مسألة إلا وقد تكلم فيها الصحابة أو في نظيرها. فإنه لما فتحت البلاد وانتشر الإسلام، حدثت جميع أجناس الأعمال.