وإذا كان الآحاد يعرض عليهم ذلك، فلا يحتج بهم في القطعيات. وإن عزوا ذلك إلى التواتر قلنا لهم: شرط التواتر استواء الطرفين فيه والوسط. وهو أن ينقل الجم الغفير عن الجم الغفير الذين شاهدوا المشهود به، وهو المصلوب. وعلموا أنه هو ضرورة.
فإن اختل شيء من ذلك فلا تواتر. فإن زعم النصارى أن خبرهم في قتل المسيح وصلبه بهذه الصفة، أكذبتم نصوص أناجيلهم التي بأيديهم. إذ قال لهم نقلتها الذين دوّنوها لهم وعليها معوّلهم: إنه لما أخذ فقتل كان في شرذمة يسيرة من تلاميذه.
فلما أقبل عليه هربوا بأسرهم. ولم يتبعه إلا بطرس من بعيد. ولما دخل الدار حيث اجتمعوا نظرت جارية منهم إلى بطرس فعرفته. فقالت: هذا كان مع يسوع. فحلف أنه لا يعرف يسوع بقوله. وخادعهم حتى تركوه. وذهب ولم يكد يذهب. وأن شابّا آخر تبعه وعليه إزار فتعلقوا به. فترك إزاره بأيديهم وذهب عريانا. فهؤلاء أصحابه وأتباعه، لم يحضر منهم ولا رجل واحد بشهادة أناجيلهم. وأما أعداؤه اليهود، الذين تزعم النصارى أنهم حضروا الأمر، فلم يبلغوا عدد التواتر. بل كانوا آحادا وأفرادا. لأن عموم الناس الذين حضروا لا يرون إلا شخصا على خشبة ومعه لصّان مصلوبان. ولا شك أن هيئتهم وصفتهم متغيرة عن الحالة التي قبل أخذهم. وأما المشايخ ونحوهم فلم يعرفوه أيضا. ففي الأصحاح الثاني والعشرين من (إنجيل لوقا) ما لفظه: فلما كان النهار اجتمع مشايخ الشعب ورؤساء الكهنة وأدخلوه إلى مجمعهم. وقالوا له:
إن كنت أنت المسيح فقل لنا. قال لهم: إن قلت لكم لم تؤمنوا لي. وإن سألتكم لم تجيبوني ولم تخلوني. انتهى.
وهذا يحتمل أنهم يسألونه عن ذاته أو عن رسالته. على أنا لو سلمنا كثرة عددهم وصدق معرفتهم فيمكن تواطؤهم على الكذب. لأنهم لما لم يجدوه هو، ولم يعلموا محل المسيح، وكان ذلك من تلاميذه، واستحلوا قتله أيضا، أشاعوا أنه هو المسيح ليترك الناس متابعته، ولئلا يتخذوا المسيح نبيّا. وصمموا، أنهم إذا وجدوا المسيح بعد هذا أيضا، يعملون به كما عملوا بصاحبه. ويؤيد هذا أنهم جعلوا على القبر حراسا لئلا ينبش القبر ويرى أنه غير المسيح. ومما يزيد الأمر وضوحا قول (إنجيل متى) في (الأصحاح الثامن والعشرين) : أن مريم لما جاءت لزيارة القبر رأت ملكا قد نزل من السماء برجّة عظيمة. فدحرج الحجر عن فم القبر.
وجلس عنده. فكاد الحراس أن يموتوا من هيبته. وبادروا من فورهم إلى المشايخ فأعلموهم بالقصة. فأرشاهم المشايخ برشوة أن يستروا القصة وأن يشيعوا أن التلاميذ سرقوه ونحن نيام. فما يؤمنكم أن تكون هذه العصابة من اليهود. كما أنهم