ستروا الآية التي ذكرتم، صلبوا شخصا من أتباعه وأوهموا الناس أنه المسيح. فإذا تبين عدم الاحتجاج بإجماع اليهود والنصارى الآن على صلبه، فنرجع إلى القرائن العقلية والنقلية. فأما العقل فلا يجوّز أن الإله القادر على كل شيء يقتله أذل عباده، وهم اليهود. ويضربونه ويعملون به ما هو محرر في أناجيل النصارى المضطربة المحرفة المكتوبة بعد رفعه بسنين عديدة وأعوام مديدة. مع أنه يفرّ منهم مرات كثيرة ويستغيث ويطلب من الله تعالى تأخير أجله بقوله: أجز عني هذه الكأس.
ويصرخ ويقول: إلهي! إلهي! لم تركتني؟ ويسلم روحه. وعند الصلب يطلب منهم الماء لكثرة عطشه. فيعطوه خلّا بدله. وأيّ خلاص لعباده في هذه الحالة، وهو بزعمهم أتى ليخلص العالم من الخطيئة. بل صار موقعا لهم في الإثم بسبب عدم إيمانهم به. فكيف يكون مخلصا بنفسه؟ وأما النقل، فقد تبين لك تهافت أناجيلهم واضطرابها، والدلالة على عدم المعرفة به، وعدم وجوده في قبره. والأعظم من ذلك عند كل ذي عقل سليم قوله تعالى: وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ. وأما قول متى في (الأصحاح السابع والعشرين) : فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وأسلم الروح، وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا للكثيرين- فهو قول بهت ومحال. لا يخفى بطلانه على ذوي العقول من النساء والرجال. لأنه لو كان صحيحا لأطبق الناس على نقله. ولم يتفق إخفاء مثله. ولزال الشك عن تلك الجموع في أمر يسوع. فحيث داموا على الجحد له والتكذيب، دلّ على كذب ما نقله عباد الصليب. وإذا كان اليهود أعطوا دراهم رشوة، كما علمت سابقا، لحراس القبر حتى لا يخبروا القائد وسائر الناس بملك نزل من السماء على قبر يسوع، كي لا يظن براءته مما نسب إليه أعداؤه، فكيف تكون هذه الآيات العظيمة؟ وتقوم الأموات من قبورها؟ ويدخلون المدينة؟ ولا يكون ذلك حجة على من لا يؤمن به إذ ذاك؟ وأيضا، ما معنى تفتح القبور وقيام القديسين من قبورهم؟ فهل كان استبشارا بمصابه؟ فهم إذا ذاك ليسوا من أحبابه. أو كان جزعا على مماته؟ وخرجوا إعانة له قبل فواته؟ فوا عجبا لرب أحياهم بعد أن كانوا رفات. ولم يعينوه حتى قضى ومات. وأحيي الرمم، وصرخ عند تسليم الروح. ولم يقدر على إبراء ما فيه من جروح. وليت شعري ما عمل هؤلاء القديسون؟ أبقوا في المدينة المقدسة؟ أم كروا إلى قبورهم فهم راجعون؟ وهل التأم الهيكل والصخور؟ أم دامت على انشقاقها إلى كثير من الدهور؟