للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: إنما لم يشتهر ذلك، لأن أصحاب المسيح لم يحضر منهم أحد خوفا من اليهود، والذين شاهدوا هذه الآيات من اليهود تواطؤوا على الكتمان حسدا وبغيا.

قلنا: مثل هذه الآيات العظيمة إذا وقعت، علمها من حضر ومن غاب، من الأعداء والأحباب. لأنها آيات نهارية. ومعجزات تشتهر في البرية. ويتناقلها أهل البلدان.

وتبقى مؤرخة بكل لسان. في سائر الملل بكل أرض وزمان. فعلم بالضرورة أن هذه الأقوال. مما اخترعها وحررها أئمة الضلال. ليخدعوا بها ضعفاء العقول. ويتوصلوا إلى جذب الدنيا بالكذب على هذا الرسول. انتهى.

وقال الإمام ابن حزم رحمه الله في كتابه (الملل) عند الكلام على النصارى:

ومما يعترض به علينا اليهود والنصارى، ومن ذهب إلى إسقاط الكوافّ (جمع كافة) من سائر الملحدين، أن قال قائلهم: قد نقلت اليهود والنصارى أن المسيح عليه السلام قد صلب وقتل. وجاء القرآن بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقتل ولم يصلب. فقولوا لنا: كيف كان هذا؟ فإن جوزتم على هذه الكواف العظام المختلفة الأهواء والأديان والأزمان والبلدان والأجناس، نقل الباطل فليست بذلك أولى من كافتكم التي نقلت أعلام نبيكم وشرائعه وكتابه. فإن قلتم: اشتبه عليهم فلم يتعمدوا نقل الباطل، فقد جوزتم التلبيس على الكواف. فلعل كافتكم أيضا ملتبس عليها. فليس سائر الكواف أولى بذلك من كافتكم، وقولوا لنا: كيف فرض الإقرار بصلب المسيح عندكم قبل ورود الخبر عليكم ببطلان صلبه وقتله؟ فإن قلتم: كان الفرض على الناس الإقرار بصلبه، وجب من قولكم الإقرار أن الله فرض على الناس الإقرار بالباطل. وأن الله تعالى فرض على الناس تصديق الباطل والتديّن به. وفي هذا ما فيه. وإن قلتم: كان الفرض عليكم الإنكار لصلبه، فقد أوجبتم أن الله تعالى فرض على الناس تكذيب الكواف.

وفي هذا إبطال قول كافتكم. بل إبطال جميع الشرائع. بل إبطال كل خبر كان في العالم، عن كل بلد وملك، ونبي وفيلسوف وعالم، ووقعتم. وفي هذا ما فيه.

قال أبو محمد رضي الله عنه: هذه الإلزامات كلها فاسدة في غاية الحوالة والاضمحلال بحمد الله تعالى. ونحن مبيّنون ذلك بالبراهين الضرورية بيانا لا يخفى على من له أدنى فهم. بحول الله تعالى وقوته فنقول وبالله التوفيق: إن صلب المسيح لم يقله قط كافة. ولا صح بالخبر قط. لأن الكافة التي يلزم قبول نقلها هي إما الجماعة التي يوقن أنها لم تتواطأ، لتنابذ طرقهم، وعدم التقائهم، وامتناع اتفاق خواطرهم، على الخبر الذي نقلوه عن مشاهدة، أو رجع إلى مشاهدة، ولو كانوا اثنين فصاعدا. وإما أن يكون عدد كثير يمتنع منه الاتفاق في الطبيعة على التمادي على

<<  <  ج: ص:  >  >>