للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنن ما تواطؤوا عليه، فأخبروا بخبر شاهدوه، ولم يختلفوا فيه، فما نقلوه أحد أهل هاتين الصفتين على مثل إحداهما. وهكذا حتى يبلغ إلى مشاهدة. فهذه صفة الكافة التي يلزم قبول نقلها، ويضطر خبرها سامعها إلى تصديقه. وسواء كانوا عدولا أو فساقا أو كفارا. ولا يقطع على صحته إلا ببرهان. فلما صحّ ذلك نظرنا فيمن نقل خبر صلب المسيح عليه السلام، فوجدناه كوافّ عظيمة. صادقة بلا شك في نقلها جيلا بعد جيل. إلى الذين ادّعوا مشاهدة صلبه. فإن هناك تبدلت الصفة ورجعت إلى شرط مأمورين مجتمعين. مضمون منهم الكذب وقبول الرشوة على قول الباطل.

والنصارى مقرّون بأنهم لم يقدموا على أخذه نهارا خوف العامة. وأنهم أخذوه ليلا عند افتراق الناس عن الفصح. وأنه لم يبق في الخشبة إلا ست ساعات من النهار. وأنه أنزل أثر ذلك. وأنه لم يصلب إلا في مكان نازح عن المدينة. في بستان فخّار متملك للفخار. ليس موضعا معروفا بصلب من يصلب. ولا موقوفا لذلك. وأنه بعد هذا كله رشي الشّرط على أن يقولوا إن أصحابه سرقوه. ففعلوا ذلك. وإن مريم المجدلانية، وهي امرأة من العامة، لم تقدم على حضور موضع صلبه. بل كانت واقفة على بعد تنظر. هذا كله في نص الإنجيل عندهم. فبطل أن يكون صلبه منقولا بكافة. بل بخبر يشهد ظاهره على أنه مكتوم متواطأ عليه. وما كان الحواريون ليلتئذ، بنص الإنجيل، إلا خائفين على أنفسهم، غيّبا عن ذلك المشهد. هاربين بأرواحهم مستترين. وإن شمعون الصفا غرّر ودخل دار قيقان الكاهن أيضا بضوء النهار. فقال له: أنت من أصحابه؟ فانتفى وجحد وخرج هاربا عن الدار. فبطل أن ينقل خبر صلبه أحد تطيب النفس عليه. على أن نظن به الصدق. فكيف أن ينقله كافة. وهذا معنى قوله تعالى: وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ. إنما عنى تعالى أن أولئك الفساق، الذين دبّروا هذا الباطل، وتواطؤوا عليه، هم شبهوا على من قلدهم.

فأخبروهم أنهم صلبوه وقتلوه. وهم كاذبون في ذلك. عالمون أنهم كذبة. ولو أمكن أن يشبه ذلك على ذي حاسة سليمة، لبطلت النبوات كلها. إذ لعلها شبهت على الحواس السليمة. ولو أمكن ذلك لبطلت الحقائق كلها. لأمكن أن يكون كل واحد منا يشبه عليه فيما يأكل ويلبس. وفيمن يجالس. وفي حيث هو فلعله نائم، أو مشبه على حواسه. وفي هذا خروج إلى السخف وقول السفسطائية والحماقة. وقد شاهدنا نحن مثل ذلك. وذلك أننا أنذرنا للجبل لحضور دفن المؤيد هشام بن الحكم المستنصر. فرأيت أنا وغيري نعشا فيه شخص مكفن. وقد شاهد غسله شيخان جليلان حكمان من حكام المسلمين ومن عدول القضاة، في بيت. وخارج البيت

<<  <  ج: ص:  >  >>