السواد والبياض والطول والقصر إلا مقيدا بالأسود والأبيض والطويل والقصير. ونحو ذلك. لا مجردا عن كل قيد. وإنما يوجد مجردا في كلام المصنفين في اللغة. لأنهم فهموا من كلام أهل اللغة ما يريدون به من القدر المشترك.
ومنه قوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النحل: ١١٢] ، فإن من الناس من يقول: الذوق حقيقة في الذوق بالفم. واللباس مما يلبس على البدن.
وإنما استعير هذا وهذا. وليس كذلك بل قال الخليل: الذوق في لغة العرب هو وجود طعم الشيء. والاستعمال يدل على ذلك. قال تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ [السجدة: ٢١] ، وقال ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: ٤٩] ، وقال: فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها [الطلاق: ٩] ، وقال: قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [الأنعام: ٣٠] ، فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ [القمر: ٣٧] ، لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى [الدخان: ٥٦] ، لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً [النبأ: ٢٤- ٢٥] ،
وقال النبي:«ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا»«١»
وفي بعض الأدعية: أذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك. فلفظ الذوق يستعمل في كل ما يحس به ويجد ألمه أو لذته، فدعوى المدعى اختصاص لفظ الذوق بما يكون بالفم- تحكم منه. لكن ذاك مقيد. فيقال: ذقت الطعام وذقت هذا الشراب. فيكون معه من القيود ما يدل على أنه ذوق بالفم. وإذا كان الذوق مستعملا فيما يحسّه الإنسان بباطنه أو بظاهره، حتى الماء الحميم، يقال: ذاقه. فالثوب إذا كان باردا أو حارا، يقال: ذقت حره وبرده. وأما لفظ اللباس، وهو مستعمل في كل ما يغشى الإنسان فيلتبس به. قال تعالى:
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً [النبأ: ١٠] ، وقال: وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ [الأعراف: ٢٦] ، وقال: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ [البقرة: ١٨٧] . ومنه يقال: لبس الحق بالباطل، إذا خلط به حتى غشاه فلم يتميز. فالجوع الذي يشمل ألمه جميع الجائع، نفسه وبدنه، وكذلك الخوف الذي يلبس البدن، لو قيل: فأذاقها الله الجوع والخوف، لم يدل ذلك على أنه شامل بجميع أجزاء الجائع. بخلاف ما إذا قيل: لباس الجوع والخوف. ولو قال: فألبسهم- لم يكن فيه ما يدل على أنهم ذاقوا ما يؤلمهم، إلا بالعقل. من حيث إنه يعرف الجائع الخائف يألم. بخلاف لفظ ذوق الجوع والخوف. فإن هذا اللفظ يدل على الإحساس بالمؤلم. وإذا أضيف إلى الملذ دلّ على