للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم. وهو خوف الإمساك على نفسه، متأيد بأن الأصل في الميتة التحريم. فإذا شككنا في السبب المبيح، رجعنا إلى الأصل ولظاهر الآية المذكورة. فإن مقتضاها أنّ الذي تمسكه من غير إرسال لا يباح، ويتقوى أيضا بالشواهد من حديث ابن عباس عند أحمد «١» : إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد، فلا تأكل. فإنما أمسك على نفسه. فإذا أرسلته فقتله ولم يأكل، فكلّ.

فإنما أمسك على صاحبه. وأخرجه البزار من وجه آخر عن ابن عباس. وابن أبي شيبة من حديث أبي رافع، نحوه بمعناه. ولو كان مجرّد الإمساك كافيا لما احتيج إلى زيادة (عليكم) في الآية. وأما القائلون بالإباحة، فحملوا حديث عدي على كراهة التنزيه، وحديث الأعرابيّ على بيان الجواز. قال بعضهم: ومناسبة ذلك أن عدّيا كان موسرا.

فاختير له الحمل على الأولى. بخلاف أبي ثعلبة، فإنه كان بعكسه. ولا يخفى ضعف هذا التمسك، مع التصريح بالتعليل في الحديث لخوف الإمساك على نفسه. وقد وقع في رواية لابن أبي شيبة: إن شرب من دمه فلا تأكل فإنه لم يعلّم ما علّمته. وفي هذا إشارة إلى أنه إذا شرع في أكله، دلّ على أنه ليس يعلم التعليم المشترط.

الرابع: في الآية مشروعية التسمية. قال ابن كثير: قوله تعالى: اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أي عند إرساله له، كما

قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: «إذا أرسلت كلبك المعلّم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك» .

وفي حديث أبي ثعلبة المخرج في (الصحيحين) «٢» أيضا: «إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله. وإذا رميت بسهمك» .

ولهذا اشترط من اشترط من الأئمة، كالإمام أحمد رحمه الله، في المشهور عنه، التسمية عند إرسال الكلب والرمي بالسهم لهذه الآية وهذا الحديث. وهذا القول هو المشهور عند الجمهور أن المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال. كما قال


(١) أخرجه في المسند ١/ ٢٣١، وحديث ٢٠٤٩.
(٢)
أخرجه البخاري في: الذبائح والصيد، ٤- باب صيد القوس، حديث ٢١٩٨ ونصه: عن أبي ثعلبة الخشنيّ قال: قلت: يا نبيّ الله! إنا بأرض قوم أهل الكتاب. أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد، أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلّم وبكلبي المعلّم، فما يصلح لي؟ قال «أما ما ذكرت من أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها. وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها. وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله، فكل. وما صدت بكلبك المعلّم فذكرت اسم الله فكل. وما صدت بكلبك غير معلّم، فأدركت ذكاته، فكل» .
وأخرجه أيضا في: باب ما جاء في التصيد. وفي: باب آنية المجوس والميتة.
وأخرجه مسلم في: الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، حديث ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>