للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه. قالوا: لأنه كان قد كسا العباس حين قدم المدينة ثوبه. فجازاه النبيّ صلى الله عليه وسلم. ذلك بذلك» . فأمّا

الحديث «١» الذي فيه (لا تصحب إلّا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلّا تقيّ)

فمحمول على الندب والاستحباب، والله أعلم. انتهى.

وقال الرازيّ: أي: ويحل لكم أن تطعموهم من طعامكم. لأنه لا يمتنع أن يحرم الله أن نطعمهم من ذبائحنا. وأيضا فالفائدة في ذكر ذلك أن إباحة المناكحة غير حاصلة في الجانبين، وإباحة الذبائح كانت حاصلة في الجانبين، لا جرم ذكر الله تعالى ذلك تنبيها على التمييز بين النوعين. انتهى.

وقال البرهان البقاعيّ في (تفسيره) : وقوله تعالى وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ أي: تناوله لحاجتكم إلى مخالطتهم، للإذن في إقرارهم على دينهم بالجزية.

ولما كان هذا مشعرا بإبقائهم على ما اختاروا لأنفسهم. زاده تأكيدا بقوله وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ أي: فلا عليكم في بذله لهم، ولا عليهم في تناوله. انتهى.

وفي (أمالي) الإمام السهيليّ رحمه الله تعالى: قيل: ما الحكمة في هذه الجملة وهم كفار لا يحتاجون إلى بياننا؟ فعنه جوابان: أحدهما أن المعنى: انظروا إلى ما أحل لكم في شريعتكم، فإن أطعموكموه فكلوه، ولا تنظروا إلى ما كان محرما عليهم، فإن لحوم الإبل ونحوها كانت محرمة عليهم. ثم نسخ ذلك في شرعنا.

والآية بيان لنا لا لهم، أي: اعلموا أن ما كان محرما عليهم، مما هو حلال لكم قد أحل لهم أيضا. ولذلك لو أطعمونا خنزيرا أو نحوه وقالوا: هو حلال في شريعتنا، وقد أباح الله لكم طعامنا- كذبناهم وقلنا: إن الطعام الذي يحلّ لكم هو الذي يحل لنا، لا غيره. فالمعنى- طعامهم حل لكم، إذا كان الطعام الذي أحللته لكم. وهذا التفسير معنى قول السدّي وغيره.

الثاني: للنحاس والزجاج والنقاش وكثير من المتأخرين، أن المعنى: جائز لكم أن تطعموهم من طعامكم. لا أن يبين لهم ما يحل لهم في دينهم. لأن دينهم باطل. إلّا أنه لم يقل: وإطعامكم، بل (طعامكم) - والطعام المأكول- وأما الفعل فهو الإطعام. فإن زعموا أن (الطعام) يقوم مقام (الإطعام) توسعا، قلنا: بقي اعتراض آخر. وهو الفصل بين المصدر وصلته بخبر المبتدأ. وهو ممتنع بالإجماع. لا


(١) أخرجه الدارمي في: الأطعمة، ٢٣- باب من كره أن يطعم طعامه إلا الأتقياء.
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ٣/ ٣٨ عن أبي سعيد الخدريّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>