للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ردّ على المتعمقين والمتنطعين من الموسوسين. وهكذا ما

رواه ابن جرير «١» عن حذيفة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائما ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه

. وهو حديث صحيح. وقد أجاب ابن جرير عنه: بأن الثقات الحفاظ رووه عن حذيفة: فبال قائما ثم توضأ ومسح على خفيه. قال ابن كثير: ويحتمل الجمع بينهما. بأن يكون في رجليه خفان وعليهما نعلان.

وهكذا

الحديث الذي رواه الإمام أحمد «٢» عن أوس بن أبي أوس قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه ثم قام إلى الصلاة» .

ورواه أبو داود «٣» عنه بلفظ: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على نعليه وقدميه» .

ثم قال الجمهور: إن قراءة الجرّ محمولة على الجوّ الجواريّ. ونظيره كثير في القرآن والشعر. كقوله تعالى: عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [هود: ٢٦] و: حُورٌ عِينٌ [الواقعة: ٢٢] بالجرّ في قراءة حمزة والكسائيّ عطفا على بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ [الواقعة: ١٨] والمعنى مختلف. إذ ليس المعنى: يطوف عليهم ولدان مخلدون بحور عين. وكقولهم: جحر ضب خرب، وللنحاة باب في ذلك. حتى تعدوا، من اعتباره في الإعراب، إلى التثنية والتأنيث وغير ذلك. وقد ساق شذرة من أشباهه ونظائره أبو البقاء هنا. فانظره. وما قيل بأن حرف العطف مانع من الجوار (زعما بأنه خاص بالنعت والتأكيد) مردود بأنه ورد في العطف كثيرا في كلام العرب. قال الشاعر:

لم يبق إلّا أسير غير منفلت ... وموثق في عقال الأسر مكبول

فخفض (موثقا) بالمجاورة للمنفلت. وحقه الرفع عطفا على (أسير) . وقال:

فهل أنت- إن ماتت أتانك- راحل ... إلى آل بسطام بن قيس فخاطب

فجرّ (فخاطب) للمجاورة. وحقه الرفع عطفا على (راحل) . وكفى في الردّ قراءة (وحور) بالجرّ كما قدّمنا. قالوا: وشرط حسن الجرّ الجواريّ عدم الإلباس مع تضمن نكتة. وهنا كذلك. فإن الغاية دلت أنه ليس بممسوح. إذ المسح لم تضرب له غاية في الشريعة. والنكتة فيه الإشارة إلى تخفيفه حتى كأنه مسح.


(١) الأثر رقم ١١٥٢٨.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٤/ ٨.
(٣) أخرجه أبو داود في: الطهارة، ٦٢- باب المسح على الجوربين. حديث ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>