قال الناصر في (الانتصاف) : والوجه فيه أن الغسل والمسح متقاربان، من حيث إن كل واحد منهما إمساس بالعضو. فيسهل عطف المغسول على المسوح من ثمّ- كقوله: متقلدا سيفا ورمحا. وعلفتها تبنا وماء باردا- ونظائره كثيرة. وبهذا وجّه الحذاق. ثم يقال: ما فائدة هذا التشريك بعلة التقارب؟ وهلا أسند إلى كل واحد منهما الفعل الخاصّ به على الحقيقة؟ فيقال: فائدته الإيجاز والاختصار وتوكيد الفائدة- بما ذكره الزمخشريّ- أي: من أنّ الأرجل لما كانت مظنة للإسراف المذموم المنهيّ عنه، فعطف على الرابع المسوح، لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صبّ الماء عليها. ثم قال الناصر: وتحقيقه أن الأصل أن يقال مثلا: واغسلوا أرجلكم غسلا خفيفا لا إسراف فيه كما هو المعتاد، فاختصرت هذه المقاصد بإشراكه الأرجل مع الممسوح. ونبه بهذا التشريك، الذي لا يكون إلّا في الفعل الواحد أو الفعلين المتقاربين جدّا، على أن الغسل المطلوب في الأرجل، غسل خفيف يقارب المسح. وحسن إدراجه معه تحت صيغة واحدة. انتهى.
وأما من أوجب الجمع بين المسح والغسل فأخذا بالجمع بين القراءتين. ومراد من ذهب إلى وجوب الجمع بين غسل الرجلين ومسحهما. فحكاه من حكاه كذلك. ولهذا يستشكله كثير من الفقهاء، وهو معذور. فإنه لا معنى للجمع بين المسح والغسل سواء تقدمه أو تأخر عليه لاندراجه فيه. وإنما أراد ما ذكرته والله أعلم. ثم تأملت كلامه أيضا فإذا هو يحاول الجمع بين القراءتين في قوله:
وَأَرْجُلَكُمْ خفضا على المسح وهو الدلك، ونصبا على الغسل، فأوجبهما أخذا بالجمع بين هذه وهذه. انتهى.
وأما من قال: الوجب هو المسح، فتمسك بقراءة الجر، وهو مذهب الإمامية.
وأجابوا عن قراء النصب بأنها مقتضية للمسح أيضا. وقد وقفت على كتاب (شرح المقنعة) من كتبهم فوجدته أطنب في هذا البحث، ووجه اقتضاء النصب للمسح بأن موضع الرؤوس موضع نصب لوقوع الفعل، الذي هو المسح عليه. قال: وعلى هذا لا ينكر أن يعطف الأرجل على موضع الرؤوس لا لفظها فينصب، والعطف على الموضع جائز مشهور في لغة العرب. ثم ساق الشواهد في ذلك وقال بعد: فإن قيل:
ما أنكرتم أن تكون القراءة بالنصب لا تقتضي الغسل، فلا تحتمل المسح. لأن عطف الأرجل على مواضع الرؤوس في الإيجاب توسّع وتجوّز. والظاهر والحقيقة يوجبان عطفها على اللفظ لا الموضع، قلنا: ليس الأمر على ما توهمتم، بل العطف على الموضع مستحسن في لغة العرب، وجائز لا على سبيل الاتساع والعدول عن