والضفير الحبل وهذا أمر ببيعها ولو بأدنى ما يقابله.
قال أحمد: إن لم يبعها كان تاركا لأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم. والإماء اللاتي يفعلن هذا، يكون عامتهن للخدمة. فكيف بأمة التمتع؟ وإذا وجب إخراج الأمة الزانية عن ملكه، فكيف بالزوجة الزانية؟ والعبد نظير الأمة، بدليل
قوله «١» صلى الله عليه وسلم (لعن الله من آوى محدثا)
فهذا يوجب لعنة كل من آوى محدثا. سواء كان إحداثه بالزنى أو السرقة، أو غير ذلك، وسواء كان الإيواء بملك اليمين، أو نكاح، أو غير ذلك، لأن أقل ما فيه ترك إنكار المنكر. والمؤمن يحتاج إلى امتحان من يريد أن يصاحبه ويقارنه، بالنكاح وغيره. قال تعالى: إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ [الممتحنة: ١٠] ، وكذلك المرأة التي زنى بها الرجل، فإنه لا يتزوجها إلا بعد التوبة في الأصح. كما دل عليه الكتاب والسنة والآثار. لكن إذا أراد أن يمتحنها. هل هي صحيحة التوبة؟ فقال ابن عمر: يراودها. فإن أجابته لم تصح توبتها. وإن لم تجبه فقد تابت. ونص عليه أحمد. وقيل: هذا فيه طلب الفاحشة. وقد تنقض التوبة. وقد تأمره نفسه بتحقيق ذلك. ويزين لهما الشيطان، لا سيما إن كان يحبها وتحبه، وقد ذاقته وذاقها. ومن قال بالأول قال: الأمر الذي يقصد به امتحانها، لا يكون أمرا بما نهى الله عنه.
ويمكنه أن لا يطلب الفاحشة بل يعرّض. والتعريض للحاجة جائز بل واجب في مواضع كثيرة. وأما نقضها، فإذا جاز أن تنقض التوبة معه، جاز أن تنقضها مع غيره والمقصود أن تكون ممتنعة ممن يراودها. وأما تزيين الشيطان له الفعل. فهذا داخل في كل أمر يفعله الإنسان من الخير يجد فيه محنة. فإذا أراد المؤمن أن يصاحب أحدا، وقد ذكر عنه الفجور، وقيل إنه تاب، أو كان ذلك مقولا صدقا أو كذبا، فإنه يمتحنه بما يظهر به بره وفجوره، وكذلك إذا أراد أن يولّي أحدا ولاية، امتحنه، كما أمر عمر بن عبد العزيز غلامه أن يمتحن ابن أبي موسى، لما أعجبه سمته. فقال له:
قد علمت مكاني عند أمير المؤمنين. فكم تعطيني إذا أشرت عليه بولايتك؟ فبذل له مالا عظيما. فعلم أنه ليس ممن يصلح للولاية. وكذلك في المعاملات. وكذلك الصبيان والمماليك الذين عرفوا، أو قيل عنهم الفجور، وأراد الرجل أن يشتريه فإنه يمتحنه. ومعرفة أحوال الناس تارة تكون بشهادات الناس، وتارة بالجرح والتعديل، وتارة بالاختبار والامتحان.
(١) أخرجه البخاري في: فضائل المدينة، ١- باب حرم المدينة، حديث رقم ٩٥، عن علي بن أبي طالب.