للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصواب ما عليه أئمة الهدى، وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث، ويتبع في ذلك سبل السلف الماضين، أهل العلم والإيمان. والمعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا تردّ بالشبهات فتكون من باب تحريف الكلم عن مواضعه. ولا يعرض عنها، فيكون من باب الذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا. ولا يترك تدبر القرآن، فيكون من باب الذين لا يعلمون الكتاب إلا أمانيّ. فهذا أحد الوجهين. وهو منع أن تكون هذه من المتشابه. الوجه الثاني: أنه إذا قيل هذه من المتشابه، أو كان فيها ما هو من المتشابه، كما نقل عن بعض الأئمة أنه سمى بعض ما استدل به الجهمية متشابها، فيقال: الذي في القرآن أنه لا يعلم تأويله إلّا الله، إما المتشابه، وإما الكتاب كله كما تقدم. ونفي علم تأويله ليس نفي علم معناه كما قدمناه في القيامة وأمور القيامة.

وهذا الوجه قويّ إن ثبت حديث ابن إسحاق في وفد نجران، أنهم احتجّوا على النبيّ صلّى الله عليه وسلم

بقوله: «إنا ونحن»

ونحو ذلك، ويؤيده أيضا أنه قد ثبت أن في القرآن متشابها، وهو ما يحتمل معنيين، وفي مسائل الصفات ما هو من هذا الباب، كما أن ذلك في مسائل المعاد وأولى، فإن نفي المتشابه بين الله وبين خلقه أعظم من نفي المتشابه بين موعود الجنة وموجود الدنيا، وإنما نكتة الجواب هو ما قدمناه أولا أن نفي علم التأويل ليس نفيا لعلم المعنى، ونزيده تقريرا أن الله سبحانه يقول: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ [الزمر:

٢٧- ٢٨] ، وقال تعالى: الر، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: ١- ٢] ، فأخبر أنه أنزله ليعقلوه، وأنه طلب تذكرهم. وقال أيضا: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: ٢١] ، فحض على تدبره وفقهه وعقله والتذكر به والتفكير فيه، ولم يستثن من ذلك شيئا. بل نصوص متعددة تصرح بالعموم فيه، مثل قوله: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد: ٢٤] ، وقوله: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: ٨٢] ، ومعلوم أن نفي الاختلاف عنه لا يكون إلا بتدبره كله، وإلا فتدبر بعضه لا يوجب الحكم بنفي مخالفة ما لم يتدبر لما تدبر.

وقال عليّ عليه السلام «١»

لما قيل له: هل ترك عندكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم شيئا؟ فقال: لا! والذي


(١)
أخرجه البخاريّ في: الديات، ٢٤- باب العاقلة. ونصه: عن أبي جحيفة قال: سألت عليّا رضي الله عنه: هل عندكم شيء ما ليس في القرآن؟ (وقال مرة: ليس عند الناس) فقال: والذي فلق الحب وبرأ النسمة! ما عندنا إلا ما في القرآن، إلا فهما يعطى رجل في كتابه. وما في الصحيفة.
قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر
.

<<  <  ج: ص:  >  >>