وكذا ذكره أبو الفضل ابن طاهر المقدسي، وابن خلفون وغيرهم، وكأنه -واللَّه تعالى أعلم- أشبه لأمرين:
الأول: غنجار أقعد بأهل بلده.
الثاني: لكثرة قائليه، وتفرد من قال: يوم السبت.
قال الغنجار: كان عبد اللَّه بن طاهر مشتاق إلى السرماري، فكلموه في المضي إليه فلم يجب، فلما أكثروا عليه مضى إلى سابور، فدخل الحاجب وأعلم صاحب خراسان به فأدخله، فلما نظر ابن طاهر إليه مدَّ يديْه كلتيهما، ووسَّع بين رِجْلَيْه وهو على السرير، فعانقه بيديْه ورِجْلَيْه وجعل يبكي، فأطال المقام، قال: أوصني، فأوصاه بكلام.
قال أبو نصر الليث بن نصر بن الحسن: اجتمعنا في الجامع ببغداد، فذكرنا قوله صلى اللَّه عليه وسلم:"إن على رأس كل مائة سنة يبعث اللَّه تعالى لهذه الأمَّة من يصلح لها أمرها ويكون عَلَمًا (١) "، فبدأت بأبي حفص أحمد بن حفص، ثم ثنيت بمحمد بن إسماعيل، ثم ثلثت بالسرماري؛ لأنه وحده كسر جند العدو، فقالوا: نعم.
قال محمد بن إسماعيل البخاري -وجرى ذكره-: ما نعلم في الإسلام مثله.
قال: فبلغ ذلك أحيد بن رواحة رئيس المطوعة، فقال للبخاري: إن هؤلاء العجم يحكون عنك ويريدون كلامًا ليس هو من قولك، قال: وما هو؟ قال: قلت عن أحمد: ما تعلم في الإسلام مثله، فقال: ما هكذا قلت، ولكن ما بلغنا أنه كان في الإسلام ولا في الجاهلية مثله.
وقال ابنه أبو صفوان: دخلت على أبي يومًا وهو في البستان يأكل وحده، فرأيت على مائدته عصفورًا يأكل معه وحواليه طيور، فلما رآني العصفور طار، فقال أبي: هذا العصفور فرَّ منك وكان ينفرد معي.
قال غنجار: ولما مات بلغ كراء الدابة من المدينة إلى قريته سُرماري عشرة دراهم وزيادة، وخلف ديونًا كثيرة، فكان غرماؤه يشترون من ماله الحزمة الواحدة من القصب من خمسين درهمًا إلى مائة درهم؛ حُبًّا له ورغبة في قضاء ديونه، فما رجعوا من جنازته
(١) أخرجه أبو داود (٤/ ١٠٩، رقم ٤٢٩١)، والطبراني في الأوسط (٦/ ٣٢٣، رقم ٦٥٢٧)، والحاكم (٤/ ٥٦٧، رقم ٨٥٩٢)، والخطيب (٢/ ٦١)، والديلمي (١/ ١٤٨، رقم ٥٣٢)، والبيهقي في المعرفة (١/ ٢٠٨، رقم ٤٢٢). وقال المناوي (٢/ ٢٨٢): قال الزين العراقي وغيره: سنده صحيح.