والتحقيق والتحرير، مدة زادت على الستين عامًا من حياة عالم موسوعيّ ويقظٍ ذكيّ.
[المطلب الأول: نقل نص المقدمة]
قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه في مقدمة "التقريب":
الحمد للَّه الذي رفع بعض خلقه على بعض درجات، وميَّز بين الخبيث والطيب بالدلائل المحكمات والسمات، وتفرَّد بالمُلك فإليه منتهى الطلبات والرغبات، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له ذو الأسماء الحسنى والصفات، الناقد البصير لأخفى الخفيات، الحكم العدل، فلا يظلم مثقال ذرة، ولا يخفى عنه مقدار ذلك في الأرض والسموات.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث بالآيات البينات، والحجج النيرات، الآمر بتنزيل الناس ما يليق بهم من المنازل والمقامات، صلى اللَّه وسلم عليه، وعلى آله وصحبه، السادة الأنجاب الكرماء الثقات.
أما بعد: فإنني لما فرغت من "تهذيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال"، الذي جمعت فيه مقصود "التهذيب" لحافظ عصره أبي الحجاج المزي، من تمييز أحوال الرواة المذكورين فيه، وضممت إليه مقصود "إكماله" للعلامة علاء الدين مغلطاي، مقتصرًا منه على ما اعتبرته عليه، وصححته من مظانه، من بيان أحوالهم أيضًا، وزدت عليهما في كثير من التراجم ما يتعجب من كثرته لديهما، ويستغرب خفاؤه عليهما. وقع الكتاب المذكور من طلبة الفن موقعًا حسنًا عند المميز البصير، إلا أنه طال إلى أن جاوز ثلث الأصل، والثلث كثير.
فالْتَمَسَ مني بعض الإخوان أن أُجرّد له الأسماء خاصة، فلم أُوثر ذلك لقِلَّة جدواه على طالبي هذا الفن، ثم رأيت أن أُجيبه إلى مسألته، وأسعفه بطلبته، على وجه يحصل مقصوده بالإفادة، ويتضمَّن الحسنى التي أشار إليها وزيادة.
وهي أنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وصف به بأَلْخَص عبارة، وأخلص إشارة، بحيث لا تزيد كل ترجمة على سطر واحد غالبًا، يجمع اسم الرجل واسم أبيه وجده، ومنتهى أشهر نسبته ونسبه، وكنيته ولقبه، مع ضبط ما يشكل من ذلك بالحروف، ثم صفته التي يختص بها من جرح أو تعديل، ثم التعريف بعصر كل راوٍ منهم، بحيث يكون قائمًا مقام ما حذفته من ذكر شيوخه والرواة عنه، إلا من لا يُؤمَن لَبْسه.