ثامنًا: صفة من يُقبل منه الجرح والتعديل
- أن يكون المتكلم عارفًا بمراتب الرجال، وأحوالهم في الانحراف والاعتدال، ومراتبهم من الأقوال والأفعال.
- أن يكون من أهل الورع والتقوى:
ذلك أن الورع والتقوى يمنعانه من القول في الرجال بغير علم، ويمنعه الورع والتقوى من الجور، والحيف في القول فيمن يتكلم فيه، فلا يقول فيه إلا الحق والصدق. كما أن الورع والتقوى يجعله لا يخاف في اللَّه لومة لائم، ويحمله على أن لا يحابي أحدًا في هذا المجال، بل يقدِّم الاحتياط لسُنَّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم على من يحبُّه أو يقرِّبه.
- أن يكون مجانبًا للعصبية والهوى:
إن صاحب الهوى يحمله هواه أن يجرح الثقة، أو يوثق الضعيف، وصاحب الهوى غالبًا ما يسوقه هواه إلى الضلال. قال اللَّه تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: ٥٠]؛ أي: لا أحد أضلَّ ممَّن اتَّبع هواه لغير هدى.
ومن الهوى الذي يمكن أن يسوق الإنسان إلى أن يقول في أخيه ما لا يقتضيه حاله، ما يقع بين الفِرَق من اتِّهام كل منها الفِرقة الأخرى.
- أن يكون المعدِّلُ والمجرِّحُ خاليًا من التساهل والتشدُّدِ:
ذلك أن تساهل المجرِّح يقتضي أن يوثق الضعيف، وقد يؤدِّي به تساهله إلى أن يحسن الظنّ بكل أحد، ومن ثَمَّ يوثقه، وهذا ينافي كمال الاحتياط لسُنَّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
وكذلك فإن التشدد في جرح الرواة يؤدِّي إلى إهدار كثير من السُّنَّة النبوية، كما فعله الكثيرون اليوم، فردُّوا كثيرًا من الأحاديث المقبولة، لاتِّباعهم منهج المتشدِّدين في الجرح والتعديل.
- أن يكون عاريًا عن غرض النفس بالتحامل:
وهذا التحامل للغرض النفسي، يحصل غالبًا بين الأقران من العلماء، وليس كل العلماء بل بعضهم، ذلك أن العصمة للَّه ثم لرسله عليهم الصلاة والسلام.
- أن يكون المجرِّح أو المعدِّل عدلا في نفسه:
فإن المجروح في نفسه لا يقوِّم غيره، وقد يكون أوثق منه، وهذا عابه المحدثون على أبي الفتح الأزدي، لما كَثُر طعنه في الرواة، وعابوا على أُناس آخرين لكونهم ضعفاء، فضعَّفوا غيرهم أو وثَّقوهم، وفاقدُ الشيء لا يُعطيه كما قالوا.
قال ابن حجر في ترجمة خثيم بن عراك بن مالك الغفاري: وَثَّقَهُ النسائي، وابن حبان،