بما أن هذا الكتاب أشهر الكتب التي جمعت تراجم رجال الكتب الستة، وبما أنه لقي عناية من العلماء لم يلقها غيرُه، من التهذيب والتعليق والاختصار، لذا سأتكلَّم عنه وعن تهذيباته ومختصراته بشيء من التفصيل، وقبل الكلام على الكتاب وتهذيباته ومختصراته، إليك أشهرَ أسماء العلماء الذين هذَّبوا هذا الكتاب، أو استدركوا عليه، أو اختصروه مع أسماء مؤلفاتهم.
والحق يُقال: إن قبل طباعة "تهذيب الكمال" للمزي، كان الباحثون في حيرة شديدة؛ لأنك مثلا إذا أردت البحث في إسناد، يقول البخاري مثلا: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر -هو محمد بن جعفر-، حدثنا شعبة مثلا، عن أبي إسحاق، عن عقبة بن عامر مثلا، هذا إسناد. وأنا أريد دراسة الإسناد، الطالب وهو يبحث عن محمد بن بشار، أو يبحث عن محمد بن جعفر. أنت تأتي باسم محمد بن جعفر وترجع إلى الكتاب، كيف تستدل على محمد بن جعفر؟
أنت عندك مثلا ثلاثة أو أربعة في "تهذيب الكمال" اسمهم محمد بن جعفر، فأبحث بالشيخ والتلميذ، يعني: أبحث عمَّن اسمه محمد بن جعفر، أرى في شيوخه شعبة، وفي تلاميذه محمد بن بشار، فالمزي رحمه اللَّه تعالى ابتكر طريقة التصنيف في هذه الكتب، يقول مثلا: محمد بن جعفر، ويذكر بقية الاسم، والنسب، والكنية، والقبيلة، إلى غير ذلك، إلى آخر الاسم، ثم يقول شيوخه، فيأتي بجميع شيوخ الراوي مرتَّبين على حروف (ألف باء) في هذه النقطة، ثم بعد ذلك يقول تلاميذه، فيأتي بجميع تلاميذ الراوي مرتبين على حروف (ألف باء) في هذه النقطة، فأنا وأنا أبحث عن محمد بن جعفر، أنظر في شيوخه في حرف (الشين)، إن وجدت شعبة؛ إذن هذا هو محمد بن جعفر الذي أبحث عنه، أتأكد أكثر حين أجد في التلاميذ محمد بن بشار، هذا كلام أغلبي يمثل ثمانين بالمائة من أحوال التراجم.
قد يأتي لك راوٍ اسمه محمد بن جعفر، وشيخه شعبة، وتلميذه محمد بن بشار، تجد اثنيْن بهذا الوصف، فتحتاج إلى الترجيح بقرائن، لكن ثمانين بالمائة من التراجم، إنما يُبحث عنها بالشيوخ والتلاميذ، فقبل طبع كتاب "تهذيب الكمال" لا يمكن لك الوقوف على حال الراوي، إلا بوجود الشيوخ والتلاميذ معك، فكنا نرجع إلى