للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[أسباب اختلاف العلماء في الجرح والتعديل]

هناك ثلاثة اتجاهات في الجرح والتعديل:

الاتجاه المتشدد: وهو الذي يردّ حديث الراوي لأدنى جرح فيه، وبالتالي يردُّ كثيرًا من سُنة النبي صلى اللَّه عليه وسلم، كما فعل الإمام ابن الجوزي في "الموضوعات"، وكثير من المعاصرين بحجَّة حماية السنَّة النبوية.

والاتجاهُ المتساهل: الذي لا يعوِّلُ على كثير ممَّا جرح به الراوي، فيصحَّح أو يحسن كثيرًا من الأحاديث التي لا تستحقّ ذلك، كما في فِعل الإمام السيوطي رحمه اللَّه، في "الجامع الصغير" وغيره من كُتبه.

والاتجاهُ الثالث المعتدل: الذي يصحح أو يحسن أحاديث الرواة المختلف فيهم، ما لم يثبت أنهم أخطئوا في حديث بعينه، ولم يقوَى بوجه من الوجوه المعتبرة.

وغالبية أهل الجرح والتعديل -بحمد اللَّه تعالى- من هذا القبيل.

قال الترمذي: وَقَد اخْتَلَفَ الأئِمَّةُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي تَضْعِيفِ الرِّجَالِ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِي سِوَى ذَلِكَ مِنَ العِلْمِ. ذُكِرَ عَنْ شُعْبَة أَنَهُ ضَعَّفَ أَبَا الزُّبَير المَكِّيّ، وَعَبْد المَلِك بن أَبِي سليمان، وَحَكِيمَ بن جُبَيْر، وَتَرَكَ الرِّوَايَة عَنْهُمْ. ثُمَّ حَدَّثَ شُعْبَة عَمَّنْ هُوَ دُونَ هَؤُلاء فِي الحِفْظِ وَالعَدَالَةِ، حَدَّثَ عَنْ جَابِر الجُعْفِيّ، وإبْرَاهِيم بن مُسْلِم الهَجَرِيّ، وَمُحَمَّد بن عُبَيْد اللَّه العَرْزَمِيّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُضَعَّفُونَ فِي الحَدِيثِ.

وقال ابن تيمية رحمه اللَّه، مبيِّنًا أسباب اختلاف الفقهاء:

السَّبَبُ الثَّالِثُ: اعْتِقَادُ ضَعْف الحَدِيث بِاجْتِهَادِ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، مَعَ قَطْعِ النَّظَر عَنْ طَرِيقٍ آخَرَ، سَوَاءٌ كَانَ الصَّوَابُ مَعَهُ، أَوْ مَعَ غَيرِهِ، أَوْ مَعَهُمَا، عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ.

وَلِذَلِكَ أَسْبَابٌ، مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ المُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ يَعْتَقِدُهُ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا، وَيَعْتَقِدُهُ الآخَرُ ثِقَة.

وَمَعْرِفَةُ الرِّجَالِ عِلْمٌ وَاسِعٌ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ المُصِيبُ مَنْ يَعْتَقِدُ ضَعْفَهُ؛ لاطِلاعِهِ عَلَى سَبَبٍ جَارِحٍ، وَقَدْ يَكُون الصَّوَابُ مَعَ الآخَرِ؛ لِمَعْرِفَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ غَيْرُ جَارِحٍ، إمَّا لأنَّ جِنْسَهُ غَيْرُ جَارِحٍ، أَوْ لأنَّهُ كَانَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ يَمْنَعُ الجَرْحَ.

وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ، وَلِلعُلَمَاءِ بِالرِّجَالِ وَأَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الإِجْمَاعِ وَالاخْتِلافِ، مِثْلُ مَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِر أَهْلِ العِلْمِ فِي عُلُومِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>