وَمِنْهَا: أَلا يَعْتَقِدَ أَن المُحَدِّثَ سَمِعَ الحَدِيثَ مِمَّنْ حَدَّثَ عَنْهُ، وَغَيْرُهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ لأَسْبَابِ تُوجِبُ ذَلِكَ مَعْرُوفَةٍ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ لِلمُحَدِّثِ حَالانِ:
حَالُ اسْتِقَامَةٍ وَحَالُ اضْطِرَابٍ، مِثْل أَنْ يَخْتَلِطَ أَوْ تَحْتَرِقَ كُتُبُهُ، فَمَا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ الاسْتِقَامَةِ صَحِيحٌ، وَمَا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ الاضْطِرَابِ ضَعِيفٌ، فَلا يَدْرِي ذَلِكَ الحَدِيث مِنْ أَيّ النَّوْعَيْنِ، وَقَدْ عَلِمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ مِمَّا حَدَّثَ بِهِ فِي حَالِ الاسْتِقَامَةِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ المُحَدِّثُ قَدْ نَسِيَ ذَلِكَ الحَدِيث فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا بَعْدُ، أَوْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَهُ، مُعْتَقِدًا أَنَّ هَذَا عِلَّةٌ تُوجِبُ تَرْكَ الحَدِيثِ. وَيَرَى غَيْرُهُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَصِحُّ الاسْتِدْلالُ بِهِ. وَالْمَسْأَلَةُ مَعْرُوفَةٌ.
وَمِنْهَا: أَن كَثِيرًا مِنْ الحِجَازِيِّينَ يَرَوْنَ أَلا يُحْتَجَّ بِحَدِيثِ عِرَاقِيٍّ أَوْ شَامِيٍّ، إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: نَزِّلُوا أَحَادِيثَ أَهْلِ العِرَاقِ بِمَنْزِلَةِ أَحَادِيثِ أَهْلِ الكِتَابِ، لا تُصَدِّقُوهُمْ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ.
وَقِيلَ لآخَر: سفيان، عَنْ مَنْصُور، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَة، عَنْ عَبْد اللَّه، حُجَّة؟ قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ بِالْحِجَازِ فَلا.
وَهَذَا لاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ أَهْلَ الحِجَازِ ضَبَطُوا السُّنَّة، فَلَمْ يَشِذَّ عَنْهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَأَنَّ أَحَادِيثَ العِرَاقِيِّينَ وَقَعَ فِيهَا اضطرَابٌ أَوْجَبَ التَّوَقُّفَ فِيهَا. وَبَعْضُ العِرَاقِيِّينَ يَرَى أَلا يُحْتَجَّ بِحَدِيثِ الشَّامِيِّين.
وَإنْ كَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى تَرْكِ التَّضْعِيفِ بِهَذَا، فَمَتَى كَانَ الإسْنَادُ جَيِّدًا كَانَ الحَدِيثُ حُجَّةً، سَوَاء كَانَ الحَدِيثُ حِجَازِيًّا، أَوْ عِرَاقِيًّا، أَوْ شَامِيًّا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَقَدْ صَنَّفَ أَبُو داود السجستاني كِتَابًا فِي مفاريد أَهْلِ الأمْصَارِ مِنَ السُّنَنِ، يُبَيِّنُ مَا اخْتَصَّ بِهِ أَهْلُ كُل مِصْرٍ مِنْ الأمْصَارِ مِنَ السُّنَنِ، الَّتِي لا تُوجَدُ مُسْنَدَة عِنْدَ غَيْرِهِمْ، مِثْل: المَدِينَة، وَمَكَّة، وَالطائِف، وَدِمَشْق، وَحِمْص، وَالكُوفَة، وَالبَصْرَة، وَغَيرهَا. إلَى أَسْبَابٍ أُخَر غَيْر هَذِهِ.
وقال الذهبي: هذه تذكرة بأسماء معدّلي حملة العلم النبوي، ومن يرجع إلى اجتهادهم في التوثيق والتضعيف، والتصحيح والتزييف، وباللَّه أعتصم وعليه أعتمد وإليه أنيب.
وقال النووي: عاب عائبون مسلمًا بروايته في "صحيحه" عن جماعة من