عبد الملك طارق بن عمرو مولى عثمان المدينة، فولِيَها خمسة أشهر، وفي آخر سنة اثنتين وخمسين غلب عليها، يعني: المدينة، طارق بن عمرو، وسمع من جابر بن عبد اللَّه حديث (العمرى)، كذا ذكره المزي، وفيه نظر؛ لأن القاضي غير الوالي، والوالي اسم أبيه: عمرو، كذا ذكره غير واحد، وأما القاضي الذي وثقه أبو زرعة فلم يسم أبوه، قال ابن أبي حاتم: طارق قاضي مكة، روى عن جابر، روى عنه سليمان بن يسار، وحميد الأعرج، سُئل أبو زرعة عن طارق المكي قاضي مكة، فقال: ثقة. ولما ذكره ابن خلفون في "الثقات" لم يسم أباه، وكذا فعله ابن أبي خيثمة في "تاريخه"، ومسلم، وأبو داود، لما خرجَّا حديثه.
وقال ابن عساكر: وهم ابن أبي حاتم من وُجوه:
أحدها: قال: قاضي مكة، وإنما كانت هذه القصة بالمدينة. انتهى. انظر إلى احترازه من أن يُسميه قاضيًا، وقال هذه القصة، يعني: قضاء طارق بالعمرى.
قال: والثاني قوله: روى عن جابر، وهو لم يرو عن جابر، إنما قضى -يعني: في إمرته- بقول جابر، وفيه رد لقول المزي: سمع جابرًا.
قال: والثالث قوله: روى عنه سليمان، يعني: ولم يرو عنه، وإنما حكى فعله، وفي حديث الوالي عن جابر بن عبد اللَّه، قال: نظرت إلى أمور كلها أتعجَّب منها، عجبت لمن سخط ولاية عثمان، حتى ابتلي بطارق مولاه على منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم.
ولما ترجم أبو القاسم باسمه، قال: طارق بن عمرو مولى عثمان، وَجَّهه عبد الملك من الشام، فغلب له على المدينة، ثم ذكر كلام ابن سعد عن الواقدي، وكلام خليفة الذين نقلهما المزي، ولم يذكر توليته القضاء في ورد ولا صدر، وكذا فعله محمد بن جرير في "تاريخه"، وكأن المزي لما رأى أن طارقًا قضى بالعمرى عن قول جابر، ورأى طارق في كتاب الرازي: تولى قضاء مكة وروى عن جابر، اعتقدهما واحدًا، وما درى أن طارقًا هذا كان من شر الولاة، وفيه يقول الراجز لما أرسله عبد الملك مددًا للحَجاج في قتال ابن الزبير، ذكره الزبير (١): [الرجز]
يخرجن ليلا ويدعن طارقا ... والدهر قد أمرَّ عبدًا سارقا
وإن عمر بن عبد العزيز ذكره يومًا -فيما ذكره الجاحظ في (الهاشميات) - فقال: امتلأت به الأرض جورًا. وفي كتاب أبي الفرج الأموي: كان من الولاة الجورة.