إِنِّي وَجدتُ بَيَان الْمَرْءُ نَافِلَة ... تهدي لَهُ وَوَجدت العِيَّ كالصمَمِ
وَالْمَرْءُ يَفْنَى وَيَبْقَى سَائِر الكَلم ... وَقَدْ يُلامُ الفَتَى جَهْلا وَلَمْ يَلُم
وفيه يقول حسان بن ثابت الأنصاري:
إِذا ما ابنُ عَبّاسٍ بَدا لَكَ وَجهُهُ ... رَأَيتَ لَهُ في كُلِّ أَحوالِهِ فَضلا
إِذا قالَ لَم يَترُك مَقالا لِقائِلٍ ... بِمُنتَظماتٍ لا تَرى بَينَها فَصلا
كَفى وَشَفى ما في النفوسِ فَلَم يَدَع ... لِذي إِربَةٍ في القَولِ جَدًّا وَلا هَزلا
سَمَوتَ إِلى العَليا بِغَيرِ مَشَقَّةٍ ... فَنِلتَ ذُراها لا دَنِيًّا وَلا وَغلا
خُلِقتَ خَليقًا لِلمُروءةِ وَالنَدى ... فَليجًا وَلَم تُخلَق كَهامًا وَلا جَهلا
ويروى أن معاوية نظر إليه يومًا يتكلم فأتبعه بصره، وقال متمثلا:
إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... مصيب ولم يثن المقال على هجر
يصرف بالقول اللسان إذا انتحى ... وينظر في أعطافه نظر الصقر
وروى عنه من وجوه أنه قال لما عمي:
إِنْ يَأْخُذِ اللَّه مِنْ عَيْنَيَّ نُورَهُما ... فَفِي لِسَاني وَقَلْبِي مِنْهُما نُورُ
قَلْبٌ ذَكيٌّ وَعَقْلٌ غَيْرُ ذي دَخَل ... وَفِي فَمِي صَارِمٌ كَالسَّيْفِ مَأْثُورُ
ويروى أن طائرًا أبيض خرج من قبره، فتأولوه: علمه خرج على الناس. ويقال: بل دخل قبره، فقيل: إنه بصره. كذا هو مذكور في التأويل.
وفي كتاب أبي نعيم الحافظ: لما دخل الطائر أكفانه سمعوا قائلا يقول: {يَأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: ٢٧ - ٢٨]. وكان صبيح الوجه له وفرة مخضوبة بالحناء، أبيض طويلا مشربًا صفرة جسيمًا وسيمًا، ولما اشْهى يومًا إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وعنده جبريل؛ فقال له جبريل: "إِنَّهُ كَائِنٌ حَبْرَ هَذِهِ الأمَّةِ؛ فَاسْتَوْصَ بِهِ خَيْرًا (١) ".
وقال مجاهد: لا نعلم أحدًا حُنِّكَ بريق النبوة غيره، ولما دُفِنَ سقت السحاب قبره؛ فقال يزيد بن عتبة بن أبي لهب في ذلك:
صبت ثلاثًا سماء اللَّه دائمة ... بالماء مرت على قبر ابن عباس
(١) أخرجه الحاكم ٣/ ٦١٦، رقم ٦٢٨١ وتعقبه الذهبي بأن فيه الكوثر بن حكم وهو ساقط. وأورده ابن الحوزي في العلل المتناهية ١/ ٢٨٨، رقم ٤٦٦ وقال: لا يصح عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.