فقالت أم جعفر -وهي الشموس من بني وائل بن سعد بن هذيم-: انطلق إلى أبيك فانظر هل بقي عنده شيء؟ فأتاه فلم يجد عنده إلا رأس الجزور، فأخذ بأنفه يجره، فقيل: ما هذا؟ قال: أنف الناقة، فسُمي بذلك، فكان ولده يغضبون من ذلك، فلما مدحهم الحطيئة، فقال:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يساوي بأنف الناقة الذنبا
فكانوا يفتخرون بذلك، زاد غيره: فكانوا إذا سئل أحدهم عن نسبه لم يبدأ إلا به، ونسبوا إليهم: الأنفي، أنشد ابن الأنباري في "الزاهر"، عن الفراء:
ألم تسأل الأنفي يوم يقودني ... ويزعم أني مبطل القول كاذبه
أحاول إعناتي بما قال أم رجا ... ليضحك مني أم ليضحك صاحبه
وليس في العرب أنف الناقة ينسب إليه غيره. كذا أشار إليه الرشاطي وغيره.
وأما قول أبي عمر: ربيعة هو أنف الناقة، وليس هو من بني أنف الناقة الذين مدحهم الحطيئة. يحتاج إلى سلف صالح يعضده، ولا أراه يوجد، وكأنه سبق ذهنه -رحمه اللَّه تعالى- إلى أن ربيعة بن عامر له لقب، ولما وضع الكتاب أنسي ذلك اللقب، فكتب هذا توهمًا لا تعمدًا، وذلك أن البرقي وغيره قالوا: إن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة يلقب البكاء، وإليه ينسب البكاءون. واللَّه تعالى أعلم.
وإنما طولنا في هذا اعتذارًا منه؛ لأن بعض الأئمة صرح ببطلان قوله هو الشترني -رحمهما اللَّه تعالى- ويزيد ذلك وضوحًا أن أبا أحمد العسكري ذكره في البكائين، وقال: هو وأبوه، كانا سيدا قومهما نزل البادية في موضع يقال له: الرخيخ، وكان العداء حسن السبلة -يعني: اللحية-.
وفي "طبقات خليفة": ومن بني البكاء وهو ربيعة بن عامر: العداء بن خالد بن هوذة.
وتبعهما على ذلك غير واحد؛ منهم: أبو حاتم ابن حبان في كتاب "الصحابة"، وفي "النمر" أيضًا: أنف الكلب في بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.
وفي قوله أيضًا: كذا نَسَبَهُ الأصمعيُّ. قصور كثير؛ لأنَّ الأصمعي ليس نسَّابًا، ولا له كتاب معلوم في النسب. أين هو عن الكلبي؟ فإنه نسبه هذا النسب، ومن قصد البحر استقل السواقيا. ولكنه في كل هذا تبع صاحب "الكمال"، وهو الغير المشار إليه بقوله: وقال غيره، فلو ترك عن نفسه الكبر وصرح بصاحب "الكمال" أو بمن قاله