كان محمد بن عمرو قد أكثر أيام الحرة في أهل الشام القتل، وكان يحمل على الكردوس منهم فيفض جماعتهم، وكان فارسًا قال: فقال قائل من أهل الشام: قد أحرقنا هذا ونحن نَخْشَى أن ينجو على فرسه، فاحملوا عليه حملةً واحدةً، فإنا نرى رجلا ذا بصيرة وشجاعة، قال: فحملوا عليه حتى نظموه في الرماح، فلقد مال ميتًا، ورجل من أهل الشام كان قد اعتنقه، حتى وقعا جميعًا، فلما قتل محمد بن عمرو انهزم الناس في كل وجه؛ حتى دخلوا المدينة فجالت خيلهم فيها يقتلون وينهبون.
أنبا محمد، ثنا عبد الجبار عن محمد بن أبي بكر قال: صَلَّى محمد يوم الحرة وإن جراحه، لتنبعث دمًا، وما قتل إلا نظمًا بالرمح.
أنبا محمد بن عمر، حدَّثني إسماعيل بن مصعب، عن ثابت، عن إبراهيم بن يحيى بن يزيد بن ثابت: أن محمدًا كان يحمل على الكتيبة فيفضها حتى قُتل.
أنبا ابن عمر، حدَّثني عتبة بن جبيرة، عن عبد اللَّه بن أبي سفيان مولى أبي أحمد، عن أبيه، قال: جعل الفاسق مُسرف بن عقبة يطوف على فرس له في القتلى ومعه مروان بن الحكم، فمرَّ على محمد بن عمرو بن حزم، وجبهته على الأرض، فقال: واللَّه لئن كنت على جبهتك بعد الممات؛ لطالما افترشتها حيًّا، فقال مُسرف: واللَّه ما أرى هؤلاء إلا أهل الجنة لا يسمع منك أهل الشام فتكركرهم عن الطاعة، فقال مروان: ألا إنهم بدَّلوا وغيَّروا.
قال محمد بن عمر: كانت وقعة الحرة بالمدينة في ذي الحجة سنة ثلاث وستين في خِلافة يزيد بن معاوية. انتهى.
المزي ذكر عن ابن سعد مقلدًا صاحب "الكمال" وأرى أنه قال: قُتِل يوم الحرة بالمدينة في خلافة يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين. وقد أسلفنا أنه إنما ذكر هذا في "الطبقات" عن شيخه بأبين مِمَّا ذكر، واللَّه تعالى أعلم.
وذكر عن ابن حبان أن الأنصار ولته أمرها يوم الحرة، وذكر وفاته من عند غيره وفيه نظر في موضعين:
الأول: ابن حبان إنما قال: ولته الخزرج أمرها، والخزرج وإن كانوا من الأنصار فليسوا كل الأنصار، وكلامه يغطي جميع الأنصار.
الثاني: ابن حِبَّان ذكر وفاته، كما ذكرها المزي من عند غيره، فكان يَنْبَغي له على عادته أن يقول قال فلان وفلان. تُوفي في سنة كذا وكذا، وقال ابن حبان ولته الخزرج أمرها يوم الحرة ومات في ذلك اليوم سنة ثلاث وستين.