فنأتيك به؟ قال: لا حاجة لِي به، فلم يزالوا به، حَتَّى أتوه به، فقال محمد: لا يكون كلام حتى يكون تشهد، فقال: أشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلا اللَّه وحده لا شريك له، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكونَ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّه فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَه، أتشهد أَنَّه حق من قلبك لا يخالف قلبك لسانك؟ قال: نعم، قال: حَسْبِي مِنْكَ، قال غيلان: إِنَّ القرآن ينسخ بعضه بعضًا. قال محمد: لا حاجة لِي في كلامك، إِمَّا أن تقوم عني، وإِمَّا أَنْ أقوم عنك.
فقال غيلان: أبيتُ إِلا صَمْتًا، فقال محمد -بعد ما قام عنه-: كنت أعرف رجالا بالقرآن، بلغني أنهم تَحوَّلوا عن حالهم التي كانوا عليها، فإن أنكرتموني فلا تجالسوني؛ لئلا تضلوا كما ضللت. وقال رجل لمحمد: ما بك بأس لولا أنك تلحن. قال: أليس أفهمك إذا كلمتك؟ قال: بلى. قال: فلا بأس. قال عون بن عبد اللَّه: ما رأيت أحدًا أعلم بتأويل القرآن من محمد بن كعب، ولما مات دُفِن بالبقيع، وكان يقول: لا يكذب الكاذب إلا مِن مهانة نفسه عليه.
ورأى القاسم وسالم فأمَّا آل محمد فالتقوا عند أسطوانة، فجعلوا يبكون كأنه ذكرهم.
وعن حفص بن عمر قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى محمد بن كعب يسأله القدوم عليه، فكتب إليه: إِنِّي لست أرضى لك نفسي إني لأصلي بين الرجلين، أحدهما غني، والآخر فقير، فأتجافى عن الغني، وأتحامل على الفقير، وقال محمد يومًا: في السماء ما تشتهون، فقال بعضهم: طبخًا، قال: ادعوا اللَّه تعالى فدعوا فإذا مثل رأس الثور العظيم خلف أحدهم، وقال بعضهم: أَشْتَهِي صَاعًا من رطب، قال ادعوا اللَّه تعالى. فدعوا، فإذا صاع من رطب، وقال بعضهم عكة عسل وعكة زبد، قال: ادعوا اللَّه تعالى، فدعوا، فإذا عُكَّة من عسل وعُكَّة من زبد، فقال محمد لهم: كُلوا فقد عَجَّلت لكم دعوتكم، وعن الأصمعي: انتسب محمد إلى قريظة، فقيل له: أو الأنصاري، فقال: أكره أن أمن على اللَّه تعالى ما لا أفعل، وكان أبو خيثمة زهير بن حرب يقول فيه: إِنَّه مِنْ ولد هارون بن عمران صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. وذكره الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى الطليطلي في كتابه "معرفة الصحابة" رضي اللَّه عنهم أجمعين، وكذلك ابن فتحون. وقال الترمذي: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: بلغني أَنَّ محمد بن كعب القرظي وُلِدَ في حياة سيدنا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم.