وقال ابن هارون: مات في الطاعون سنة الوباء سنة إحدى وثلاثين ومائة، كذا ذكره المزي، وفيه نظر في مواضع:
الأول: ابن سعد لما ذكره في الواسطيين ما ذكره عنه المزي ذكر وفاته عن يزيد بن هارون كما ذكرها المزي؛ فإن كان المزي رآها ونقلها عن يزيد بحذف ابن سعد فلا يجوز؛ لأنه تدليس وإيهام أنه رأى كلام يزيد، وهو غير جيد؛ لأن ابن هارون ليس له كتاب في الوفيات، إنما يؤخذ عنه رواية، وإن كان لم ير كتاب ابن سعد، إنما قلد فيه صاحب "الكمال" كعادته، وهو الظن به، فقد أخل فيه بما ذكرناه، وكأنه غره أن صاحب "الكمال" لما ذكر كلام ابن سعد في قراءته وسمته، قال: وقال يزيد، فكأن الشيخ اعتقد أن يزيد غير مذكور في كتاب ابن سعد، ولو رآه لما أغفله.
وقال ابن سعد أيضًا في موضع آخر: مات سنة تسع وعشرين ومائة واللَّه تعالى أعلم.
الثاني: ابن أبي عاصم لما ذكر وفاته سنة تسع ذكرها بعد ذلك في سنة ثلاثين أيضًا، فكان ينبغي له إن كان نقل من كتاب ابن أبي عاصم ذكر ذلك، لا سيما وليس هو مذكورًا في كتابه "التهذيب" البتة.
الثالث: قوله: وقال غيره: مات سنة تسع وعشرين ومائة، نظر من حيث إنه لم يعرف القائل، وهو كثيرًا ما ينقل كلام ابن حبان، وابن حبان قد قال في "كتاب الثقات": كان يختم القرآن بين الأولى والعصر، وبين المغرب والعشاء، وكان من المتقشفين المتجردين للدين، مات في سنة تسع وعشرين ومائة، وخرج في جنازته اليهود والنصارى والمجوس يبكون عليه، وهو مولى عبد الرحمن بن أبي عقيل.
وفي سنة تسع ذكر وفاته ابن قانع، وأبو حسان الزيادي فيما ذكره القراب، ويحيى بن بكير، والبخاري، وخليفة بن خياط في آخرين.
وفي "تاريخ ابن أبي خيثمة": سمعت يحيى بن معين يقول: مات منصور بن زاذان سنة سبع وعشرين ومائة، قبل الطاعون بأربع سنين، وهي السنة التي مات فيها أبو إسحاق.
وعن أبي عوانة قال: لو أن رجلا كُلِّفَ عبادة أَشدّ ما يكون فيها لم يزد على ما كان عليه منصور.
وعن أبي يزيد قال: أول ما كان يبلى من ثياب منصور ركبتاه؛ لكثرة صلاته.
وعن صالح بن سليمان: عاد منصور أخي عروة، فجعل أهل الدار ينظرون إليه،