فقال: إنه كان قُدَّامِي قنينة فيها نبيذ، فلما رأتهم الجارية جاءت لتشيلها، فقلت: لِمَ هذا؟ قال: هؤلاء الصالحون يرون هذا عندك! فقلت: أضيفى إليها أُخرى يرى اللَّه عَزَّ وجلَّ شيئًا وأكتمه عن الناس.
فأردت أن انظر كيف عقل هذا الفتى يعنى: أحمد، فلما دخل حول ظهره إليها وأقبل عليَّ يسألني، فقلت له: لما أراد الانصراف من بين القوم كلهم: أيش تقول في هذا يا أبا عبد اللَّه؟
قال: ليس ذاك إليَّ، ذاك إليك. قلت: كيف؟ قال: قال النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ (١) " فالرجل راعٍ لمنزله ومسئول عَمَّا فيه، وليس للخارج أن يغير على الداخل شيئًا. فلما خرج سكبت خابيتين، وأشهد اللَّه عليَّ أَنْ لا أذوقه، حَتَّى أعرض على اللَّه تعالى.
وقال مسلمة الأندلسي: ثقة. وخرج ابن حِبَّان حديثه في "صحيحه"، وكذلك الحاكم وأبو عوانة.
وفي "تاريخ بغداد" للخطيب: عن أبي الحسن محمد بن حاتم الكندي قال: سألت يحيى بن معين عن خلف البزار؟ فسمعته يقول: خلف البزار لم يكن يدري أيش الحديث، إِنَّمَا كان يبيع البز. قال الخطيب: أحسبه سأله عن حُفَّاظ الحديث ونُقَّاده، فأجابه يحيى بهذا القول، والمحفوظ عن يحيى توثيق خلف. وقال: حفظت القرآن وأنا ابن عشر، وأقرأت الناس وأنا ابن ثلاثة عشرة، بعضهم يرثيه:[الطويل]
مضى شيخنا البزار بالفضل يذكر ... هجان إمام في القراءة مبصر
لقد طلب الْحُسَّاد في الناس كيده ... فما قدروا حتى عموا وتحيروا
وقال أبو محمد الرشاطي: هو ثِقة صاحب سنة مأمون إمام في القراءة. وكذا قاله أبو عمرو الداني في كتاب "الطبقات".
وذكر النقاش أَنَّه كان يشرب الشراب على التأويل، فقرأ عليه ابن أخته يومًا {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[الأنفال: ٣٧] فقال: يا خال؛ إذا مَيَّز اللَّه الخبيث من
(١) أخرجه أحمد ٢/ ٥، رقم ٤٤٩٥، والبخاري ٢/ ٨٤٨، رقم ٢٢٧٨، ومسلم ٣/ ١٤٥٩، رقم ١٨٢٩، وأبو داود ٣/ ١٣٠، رقم ٢٩٢٨، والترمذي ٤/ ٢٠٨، رقم ١٧٠٥، وقال: حسن صحيح.