من سادات التابعين فقهًا، ودينًا، وورعًا، وعلمًا، وعبادة، وفضلا وكان أفقه أهل الحجاز، وأعبر الناس برؤيا، وكان أبوه يتجر في الزيت، ما نودي بالصلاة أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد ينتظرها، فلما بايع عبد الملك للوليد ولسليمان من بعده أبى ذلك ولم يبايع.
فقال له عبد الرحمن بن عبد القاري: إنك تصلي بحيث يراك هشام، فلو غيرت مقامك حتى لا يراك فقال سعيد: إني لم أكن أغير مقامًا قمته منذ أربعين سنة.
قال: فتخرج معتمرا، قال: لم أكن لأجهد بدني، وأنفق مالي، بما ليس لي فيه نية. قال: فتبايع.
فقال: أرأيتك إن كان اللَّه أعمى قلبك كما أعمى بصرك فما علي؟ وأبى فكتب هشام إلى عبد الملك، فقال له: ما دعاك إلى سعيد، ما كان علينا منه ما نكره، فأما إذ فعلت فادعه؛ فإن بايع وإلا فاضربه ثلاثين سوطًا وأوقفه للناس فدعاه هشام فأباه، وقال: لست أبايع لاثنين فضربه ثلاثين سوطًا ثم ألبسه ثيابًا من شعر، وأمر به فطيف به حتى بلغوا الحناطين، ثم رده وأمر به إلى السجن، فقال سعيد: لولا ظننت أنه القتل ما لبسته.
قلت: أستر عورتي عند الموت.
وقيل: إنه مات سنة خمس ومائة.
وفي "طبقات ابن سعد": ولد سعيد: محمدًا، وسعيدًا، وإلياس، وأم عثمان، وأم عمرو، وفَاخِتَةَ، ومريم. وعن علي بن زيد: ولد سعيد بعد أن استخلف عمر بأربع سنين، ومات وهو ابن أربع وثمانين، وعن محمد ابنه: مات وله اثنتان وسبعون سنة.
قال محمد بن عمر: لم أر أهل العلم يصححون سماعه من عمر، وإن كانوا قد رووه.
وقال ابن أبي الحويرث: شهدت محمد بن جبير يستفتيه. وقال علي بن الحسين: سعيد أعلم الناس بما تقدمهم من الآثار، وأفقههم في رأيه، وكان عمر بن عبد العزيز لا يقضي بقضاء حتى يسأل سعيدًا فأرسل إليه يومًا إنسانًا يسأله فدعاه فلما دخل عليه.
قال له عمر: أخطأ الرسول: إنما أرسلناه يسألك في مجلسك.
ولما استعمل عبد اللَّه بن الزبير جابر بن الأسود على المدينة، دعا الناس إلى البيعة لابن الزبير، فقال سعيد: لا حتى يجتمع الناس، فضربه ستين سوطًا فبلغ ذلك ابن