فقال: يا أعرابي؛ سار الثقل فعليك بالراحلة وما عليها، وإياك أن تخدع عن السيف، فإني أخذته بألف دينار، فقال الأعرابي: [الطويل]
حباني عبد اللَّه نفسي فداؤه ... بأعيس موار سباط مشافره
وأبيض من ماء الحديد كأنه ... شهاب بدا والليل داج عساكره
فكل امرئ يرجو نوال ابن جعفر ... سيجزي له باليمن واليسر طائره
فيا خير خلق اللَّه نفشا ووالدًا ... وأكرمه للجار حين يجاوره
سأثني بما أوليتني يا ابن جعفر ... وما شاكر عرفًا كمن هو كافره
وذكر ابن ظفر في كتاب "نجباء الأبناء": أن سفيان بن حرب دخل على أم حبيبة زوج النبي، فوجد عندها عبد اللَّه بن جعفر، فقال لها: أي بنية، من هذا الغلام الذي يتواضع كرمًا، ويتألق شرفًا، ويتمنع حياء؟ فقالت: من بطنة يا أبه. فقال: أما الشمائل بهاشمية؟ فقالت: نعم، هو هاشمي من بطنة من بني هاشم؛ فتأمله ثم قال: إن لم يكن ولده جعفر، فلست بسداد البطحاء. فقالت: هو ابن جعفر. فقال أبو سفيان: أما إن قابلت من خلف مثل هذا.
وقيل: إن أبا بكر جاءه مال، فقسم لأبناء المهاجرين وبدأ بأهل البيت، وأراد أعرابي أن يدخل معهم إلى أبي بكر فمُنع، وجاء عبد اللَّه بن جعفر وهو صبي، فلما رآه أبو بكر بالباب قال: مرحبًا بابن الطيار ادخل، فسمعها الأعرابي فقبض على يد ابن جعفر وهو لا يعرفه، إنما سمع كلمة الصديق فعلم أنه ممكن عنده، وأنشأ يقول:
ألا هل أتى الطيار أني مسجلا ... عن الورد والصديق يراد يسمع
وما صران لم يأته ذاك فإنه ... نهوض تعب الخيار ندب سميدع
فقال له ابن جعفر: كن بمكانك، ودخل فأعطاه الصديق ألف درهم، فخرج فأعطاها للأعرابي.
وقال يعقوب بن سفيان: أمَّره علي بن أبي طالب يوم صفين، وكان الحسين بن علي يقول: عَلَّمنا ابن جعفر السخاء، وكتب إليه رجل رقعة، ثم جعلها في ثني وسادته التي يتكئ عليها، فلما قلب عبد اللَّه الوسادة وبصر بالرقعة، قرأها وردها في موضعها وجعل مكانها خمسة آلاف دينار، فجاء الرجل فقيل له: اقلب الرقعة وانظر ما تحتها فخذه؛ فأخذ الرجل المال وقال: [الرمل]
زاد معروفك عندي عِظَمًا ... أنه عندك مستور حقير