معاديًا لهم، حافظًا للفقه والحديث، وكان مالك يكرهه، ويرى له فضلا، ويقول لأصحابه: هذا فقيه أهل المغرب، وكان البهلول بن راشد يعظمه ويكبر قدره ويقلده في بعض ما ينزل به من أمور الديانة، وكان يقول: ابن فروخ الدرهم الجيد وأنا الدرهم الستوق.
ولما أجلس للقضاء وبكى، وقال للخصوم: ارحموني، أمر به روح أن يربط ويصعد به على سقف الجامع فإن قَبِلَ؛ وإلاطرح من أعلاه، ففعل ذلك به، ثم صعد به إلى سقف الجامع، فقيل له: تقبل؟ قال: لا. وحل على أن يطرح فلما رأى العزيمة ولم يكن يظن أنها حق قال: قبلت، وأجلس للناس وجعل معه حرسًا، فتقدم إليه خصمان فلما صارا بين يديه نظر إليهما وبكى، فطال بكاؤه فأقام طويلا باكيًا، ثم رفع رأسه إليهما، فقال: سألتكما باللَّه ألا أعفيتماني من أنفسكما ولا تكونا أول مشؤمين علي، فرحماه وقاما من بين يديه، فأعلم الحرس بذلك روحًا فقال: امضيا إليه، فقولا له: فشر علينا بمن نوليه أو اقبل، فقال: إن يكن أحد فابن غانم؛ فإني رأيته شابًا له صيانة، فقبل ذلك منه روح، وولى عبد اللَّه بن عمر بن غانم.
وكان ابن فروخ أشد الناس كراهة في القضاء، وكان يقول: قلت لأبي حنيفة: ما منعك أن تلي القضاء؟ فقال: يا ابن فروخ، القضاء على ثلاثة أوجه: رجل يحسن العوم فأخذ البحر طولا فما عسى أن يعوم يوشك أن يكل فيغرق، ورجل لا بأس بعومه فعام يسيرًا فغرق، ورجل لا يحسن العوم فغرق من ساعته.
وكان عمران بن يحيى بن قادم يصحبه ويغسل معه الموتى، وكان ابن فروخ يغسل الأموات الغرباء والضعفاء تواضعًا للَّه عز وجل، وكان الناس يتبركون بصحبته ويجلسون له على طريقه إذا خرج، فإذا مشى مشى الناس معه، واغتنموا منه دعوة أو موعظة.
ولما ذكره ابن خلفون في كتاب "الثقات" قال: قال فيه ابن أبي مريم: هو من أهل العلم، وقد غمزه أبو زرعة.
قال أبو عبد اللَّه محمد بن يحيى الذهلي في "علل أحاديث الزهري": وابن فروخ خراساني الأصل سكن المغرب ثقة.
وفي كتاب ابن عدي عن السعدي: رأيت ابن أبي مريم حسن القول فيه قال: أما حديثه فمناكير عن ابن جريج عن عطاء بن أنس غير حديث. قال ابن عدي: ومقدار ما ذكرت من الحديث لابن فروخ غير محفوظ وله غير هذا من الحديث.
وصحح الحاكم حديثه في "صحيحه" وقال: سكن مصر ومات بها.