مغازيه، ولَمَّا تُوفي علي بث معاوية الطلب لوجوه أصحابه ومذكوريهم، فكتب إلى زياد في طلب عمرو ورفاعة بن شداد، وكانا من أهل البصرة، فخافا وخَرَجَا، حَتَّى صارا إلى الموصل وهما متنكران، فأما عمرو فكان يقطع الشوك ويبيعه بها؛ ليخفى أمره، ويأوي إذا جنَّه الليل إلى كهف تحت الدير الأعلى، فأقام على ذلك مدة.
ثم إنه اعتل عِلَّة ادَّته إلى الاستسقاء، فكان في كهفه ذلك في زي المساكين يخرج في النهار يتقمم من نبات الصحراء إلى أن اجتاز بعض قواد معاوية بالموصل في أمر له فنزل هو وأصحابه في الدير الأعلى، فعرف عمرًا رجل كان مع القائد، فقال: بغية الخليفة واللَّه، فأخذ القائد عمرًا وهو شديد العِلَّة، فأمر به فذبح في يوم جمعة وقت الصلاة، وأنفذ رأسه إلى الشام شهورًا، وبقي بدنه في موضع قتله أيامًا لا يعرفه شيء من الهوام ولا الطير وتحامى الناس دفنه خوفًا من الخليفة؛ حَتَّى انْبَرَا له رجل من الرهبان فدفنه في موضع المسجد الآن فأمر معاوية بقتل الراهب.
وروى المدائني أنه كان من خِيار المسلمين، وشهد مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بدرًا وما بعدها من المشاهد، وكان مِنْ ذوي البصائر في صحابة علي وكان معاوية أعطاه الأمان، فدخل إليه يومًا فخاطبه بِمَا أحفظه، فأجمع على قتله فخرج عمرو إلى العراق واستخفى، فأخذت زوجته فحبست في دمشق سبع سنين إلى أن قتل عمرو، وكان يتنقل في البلاد؛ حَتَّى صار إلى ناحية الموصل مُسْتترًا، وألحَّ معاوية في طلبه وكان معه رفيق اسمه زاهر فلسع عمرو في جوف الليل، فقال لرفيقه: يا زاهر؛ "إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أخبرني أنه سيشترك في قتلي الجن والإنس"، وقد لسعت، وما أشك أن الطلب يظفر بي، فإذا نظرت إليهم تنحَّ عَنِّي، فإذا قتلوني وأخذوا رأسي فوارني، وعَفَّ أثري، فلمَّا أصبح دخل الطلب عليه الكهف، وضربوا عُنقه في موضع المسجد، فلما انصرفوا جاء زاهر فَوَارَاه، ويُقال: إِنَّ صاحبه دل عليه أيضًا، فقتل.
وذكر محمد بن جرير الطبري: عن أبي مخنف، أن عمرًا كان من أصحاب حجر، فلما كان من أمر حجر ما كان، طلب زياد رؤساء أصحابه فخرج رفاعة بن شداد وابن الحمق من الكوفة خوفًا منه، حَتَّى نزلا المدائن ثُمَّ ارتحلا؛ حتى أتيا أرض الموصل، فكمنا في جبل وبلغ عامل ذاك الرستاق أمرهما، فاستنكر شأنهما وهو رجل من همدان يقال له: عبد اللَّه بن أبي بلتعة، فجاء يريدهما فوجد عمرًا قد سقي بطنه لم يكن له