صدوق من هذه، ومحله الصدق ما بعدها؛ لأن صدوقًا صيغة مبالغة، بخلاف محلُّه الصدق، فإنه دالٌّ على أن صاحبها محلَّه، ومرتبته مطلق الصدق.
وقد روى ابن أبي حاتم بسنده، عن عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا أَبُو خَلْدَة، قَالَ. فَقَالَ لَهُ رَجُل: يَا أَبَا سَعِيد؛ أَكَانَ ثِقَة؟ . قَالَ: كَانَ صَدُوقًا، وَكَانَ مَأْمُونًا، وَكَانَ خَيِّرًا -وَقَالَ القَاسِمُ: وَكَانَ خِيَارًا-، الثِّقَة: شُعْبَة وَسفيان.
وهذا يدلُّ على تفرقتهم بين ثقة، وبين صدوق ونحوه.
ومن ألفاظ هذه المرتبة: فلان صادق، ما به بأس، المسكين ليس له بخت، ما هو من أهل الكذب ولكن ليس له بخت، فلان ممَّن يصدق في الروايات، فلان ثقة إن شاء اللَّه، لم أر في حديث فلان ما في القلب منه، لم أر في حديث فلان مكروهًا، فلان لم يكذب في الحديث، فلان ما أصلح حديثه، فلان ثقة ولكن ليس ممَّن يُوصف بالضبط، فلان عدلٌ في الشهادة أو مقبولُ الشهادة عند الحُكام، فلان ما أقرب حديثه، فلان صدوقٌ مسلمٌ، واللَّه أعلم.
المرتبة الرابعة: من قصُر عن درجة الثالثة قليلا، وقد مثَّل لها ابن أبي حاتم بقوله: شيخ، وقال: يُكتب حديثه ويُنظر فيه، إلا أنه دون الثانية -يعني: على حسب تقسيمه-. وزاد العراقيُّ في هذه المرتبة مع قولهم: محله الصدق، إلى الصدق ما هو، شيخ، وسط، جيد الحديث، حسن الحديث. وزاد الحافظ ابن حجر قولهم: صدوق سيء الحفظ، أو صدوق يهم، أو صدوق يخطئ، أو تغيَّر بأخَرَةٍ.
واعلم أن هذه المرتبة والتي تليها، يجد الباحث أكثر ألفاظهما تتداخل، ولذا نجد بعض هذه الألفاظ ذكرها بعض الأئمة هنا، وذكرها بعضهم في المرتبة الخامسة، وهما متقاربان، والأمر سهل، فإنهما من مراتب الشواهد.
ويلحق بها من العبارات: فلان إلى الصدق ما هو، فلان جيد الحديث، فلان لا بأس به إن شاء اللَّه، أو صدوق إن شاء اللَّه، حمل الناس عنه، هو بصورة أهل الصدق، فلان متوسط الحال، أو متوسط الأمر، أو كأنه صدوق، فلان محله العدالة، أو محله الصدق والستر، فلان ثقة وليس كل أحد يحتجُّ به، فلان سداد من عيش، فلان يقع في قلبي أنه صدوق، أرجو أن يكون صدوقًا، فلان حديثه يشبه حديث الثقات، أو حديث الأثبات، فلان مقارب الحال، أو حاله مقارب، أو لم يزل حديثه مقاربًا، أو قريب الأمر، فلان صدوق في حفظه ضعف، فلان عندي في جملة من يُنسب إلى الصدق، رجلٌ صالح الحديث يغلبه، واللَّه أعلم.
قال الحافظ ابن حجر: ويلحق بذلك من رُمي بنوع بدعة: كالتَّشيع، والقَدَر، والنَّصْب، والإرْجَاء، والتجهُّم، مع بيان الداعية من غيره.
المرتبة الخامسة: صالح الحديث ونحو ذلك. قال ابن أبي حاتم: من قيل فيه: ذلك يُكتب حديثه، وينظر فيه، يعني: يُكتب حديثه للاعتبار.