كان يستحلف من حدَّثه؛ بل فيه أن عليًّا كان يفعل ذلك وليس ذلك بمنكر أن يحتاط، كما فعل عمر في سؤاله البينة بعض مَنْ كان يروي له شيئًا والاستحلاف أيسر مِنَ البيِّنة، وقد روى الاستحلاف عن غيره أيضًا على أن له هذا الحديث متابعًا انتهى كلامه، وفيه نظر في مواضع:
الأول: قوله: ما قاله لا يقدح في صحة هذا الحديث؛ لأن كلام البخاري لا يتمخض لهذا الحديث، ولقائل أن يقول: إِنَّمَا عَنَى الحديث الآخر الذي أشار إليه إذ هو أقرب مذكور فعطف الكلام عليه أَوْلَى ويكون قد رد الحديثين جميعًا الأول: بإنكاره الحلف.
والثاني: بعدم المتابعة لا يتَّجِه غير هذا، وهذا من حُسن تصنيف البخاري رحمه اللَّه تعالى؛ ولهذا قال حين بلغه أَنَّ ناسًا طعنوا في شيء من "تاريخه": إنَّ شيوخهم لا يهتدون لوضعه.
الثاني: قوله نحو حديث (الأعمال بالنية): لا يُعرف إِلا مِنْ وجه واحد. وليس كذلك؛ لأنه عرف من غير وجه، هذا أبو الحسن الدارقطني ذكره من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وغيرهما.
وقد صَنَّف بعض العلماء فيه تَصْنيفًا لم أقف عليه، وأخبرني عنه بعض أصحابنا وأن فيه أكثر من عشرة من الصحابة رضي اللَّه عنهم، ثم رأيت لعبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده كتابًا سَمَّاه "المستخرج" ذكر أنه رواه عن النبيِّ صلى اللَّه عليه وسلم سبعة عشر صحابيًّا سَمَّاهم واحدًا بعد واحدٍ: علي، وابن أبي وقاص، وأبو سعيد، وابن مسعود، وابن عمر، وأنس، وابن عَبَّاس، ومعاوية، وأبو هريرة، وعبادة بن الصامت، وعتبة بن عبد، وهزار بن سويد، وعقبة بن عامر، وأبو ذر، وجابر، وعتبة بن عبد، وعقبة بن مسلم.
الثالث: قوله: وقد روى الاستحلاف عن غيره أيضًا مردود بأمرين:
الأول: مَنْ هو هذا الذي روى عنه ذلك؟ ومن ذكره؟ وفي أي موضع هو؟ بل لقائل أن يقول: لو كان رآه لذكره كما ذكر المتابع، وليس قوله بأَوْلَى من قول البخاري النافي، وليست مسألة النافي والمثبت؛ لعدم التساوي.
الثاني: على تقدير وجود واحد أو اثنين لا يقدح في عموم قول البخاري؛ لاحتمال أن يكون من صِغار الصحابة فعله اقتدى بعلي وتقليدًا له.