وذكر أبو طالب محمد بن علي المكي في "كتابه": أَنَّ الحسنَ كان مِنْ كِبار التابعين، ما زأل يَعِي الْحِكْمة أربعين سنة؛ حَتَّى نَطَق بِهَا، وقد لقي سبعين بدريًّا، ورأى ثلاث مائة رجل من الصحابة عثمان فمن بعده من سنة عشرين إلى سنة نيف وتسعين، وهو آخر عصر الصحابة رضي اللَّه عنهم أجمعين.
وذكر إبن أبي الدنيا في كتاب "مُجَابِي الدَّعوة" أنَّ رجلا كان مِنَ الْخَوارج يؤذي الحسن في مجلسه، فقيل للحسن: أَلا تكلم الأمير فيه؟ فسكت، فلما رآه قال: اللهمَّ قد علمت أَذَاه فاكفناه، قال: فخَرَّ -واللَّه- الرجل فَمَا حُمِلَ إلى بيته؛ إلا ميتًا على سريره، فكان الحسن بعد إذا ذكره قال: البائس ما كان أغره باللَّه تعالى، ويبكي.
وذكر خليفة في "تاريخه": أَن ابن الأشعث لَمَّا خرج قيل له: إن أحبيت أَنْ يُقْتَل الناس حولك، كما قُتِلوا حَول جمل عائشة فأخرج الحسن، قال: فأخرج كارهًا. زاد أبو جعفر في كتاب "التعريف بصحيح التاريخ": فرمى بنفسه في دِجْلة على طنٍ مِنْ قَصَب فأفلت عليه.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي في كتاب "الموضوعات": أَنَّ رواية الحسن، عن ابن مسعود، وسعد بن معاذ مُرْسلة، وحديثه عنهما مقطوع لم يدركهما.
وذكر أبو سعيد بن الأعرابي في "طَبَقات النُّساك": كان الحسن يتكلم في الخصوص؛ حَتَّى نسبته القدرية إلى الجبر، وتكلم في الاكتساب؛ حَتَّى نسبته السنية إلى القدر، وكل ذلك؛ لافتتانه في الكلام.
ولَمَّا ذكره القاضي عبد الجبَّار في كتابه "طبقات المعتزلة" في الطبقة الثالثة، قال: وأَمَّا الحسن البصري، فإنَّه مِمَّن قَدْ دَعَا إلى اللَّه تعالى الدهر الأطول بالموعظة، والتصنيف، والرسائل، والخُطب. والمشهور عنه: أَنَّ عبد الملك كاتبه بأنه قد بلغنا عنك في وصف القدر مَا لَمْ يبلغنا عن أحد من الصحابة، فاكتب إلينا بقولك في هذا الباب. فكتب إليه: سلام عليك، فإن الأمير أصلح في قليل من كثير مضوا، والقليل من أهل الخير مغفول عنهم، وقد أدركنا السلف فلم يبطلوا حقَّا ولا ألحقوا بالربِّ إلا ما ألحق بنفسه، ولا يحتجون إِلا ما احتجَّ اللَّه به على خَلْقِه، وقوله الحق:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦] فذكر كلامًا طويلا في عِدَّة أوراق.
قال الشهرستاني: ولعَلَّ هذه الرسالة لِعَطاء، فَمَا كان الحسن مِمَّن يُخالف السلف في إِثْبَات القدر خيره وشره من اللَّه تعالى، فإن هذه الكلمة كالمُجْمَع عليها عندهم.