من الجنَّة خير منزلة، فإنه كتاب عظيم الفوائد، جمُّ الفرائد، لم يُصنَّف في نوعه مثله، لا أحاشي من الأقوام من أحد؛ لأن مؤلفه أبدع فيما وضع، ونهج للناس منهجًا متسعًا لم يشرع، فقد أخلَّ بمقاصد كثيرة لم يذكرن، وذكر أشياء لا حاجة للناظر إليها، مثل الأسانيد التي يذكرها، وما حصل له فيها من علو أو موافقة أو غير ذلك؛ إذ هذا بباب آخر أَلْيَق به في الكتاب؛ لأن موضوع كتابه إنما هو لمعرفة حال الشخص المترجم باسمه، وما قيل فيه من خير أو شر، ووفاة ومولد وما أشبهه.
وأما ما وقع للمصنِّف من حديثه عاليًا، فليس من شأن الناظر في هذا الكتاب، ولو تصدَّى متصدٍّ لذلك لوجد منه شيئًا كثيرًا، وربما يذكر الشيخ من حال الشخص شيئًا لا يقتضي رفعة لذلك الشخص في العلم ولا ضعته، مثل ما ذكر في ترجمة أسد صاحب خراسان، مِن ذكر الهدايا التي أهديت إليه وصفة وضعها، وكيفية إعطائه إياها في نحو من ورقتيْن، ممَّا لا يفيد الناظر شيئًا في معرفة حاله من العلم.
وأما الملوك فإن هذا الكتاب لم يُوضع لمآثرهم، ولو فعل هذا لكان كتابًا على حدة، وكذا ما يُذكر من كلام الحسن ابن أبي الحسن ومواعظه، وقضايا إياس، إلى غير ذلك، وربما يذكر عنهم في الترجمة الواحدة عشرة أوراق إلى خمس عشرة ورقة، وأقل من ذلك وأكثر لا مدخل له في هذا الشأن.
وأما هذه العجالة، فلم نذكر فيها بعون اللَّه وحسن توفيقه، إلا ما كان متعلّقًا بذلك الشخص من رفعة أو ضعة في الحديث، وما أشبه ذلك.
وأما ما ذكره من نوع السير لسيدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فإنه ذكر معظم ذلك أو كله من كتاب أبي عمر، ومن نظر في كتابي "الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم"، وكتابي المسمى بـ "الإشارة إلى سيرة المصطفى صلى اللَّه عليه وسلم"، وجد زيادة كثيرة عليه، فاسْتَغْنَيْنَا بذكره هناك عن إعادته هنا، وإنما بدأت في هذا الإكمال بالأسماء دون ما سوى ذلك.
وشَرْطِي أن لا أذكر كلمة من كلام الشيخ إلا اسم الرجل وبعض نسبه، ثم آتي بلفظة (قال) أو ما في معناها من هناك، وثم الزيادة إلى آخره، وإن كان في كلامه شيء مما لا يعرى منه البشر، ذكرت لفظه وقلت:(فيه نظر)، وبيّنته بالدلائل المُوجزة الواضحة مبلغ علمي، بعزو كل قول إلى قائله، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، ممَّا قصدي فيه إرشاد الطالب، وتيسير الأمر على ناقلي. . . .، لا الإزراء على أحد والعياذ