وقال أبو عبد اللَّه الحاكم في "تاريخ نيسابور": ورد عكرمة خراسان مع يزيد بن المهلب، فنزل نيسابور مدة، وأفتى بها، وقد حدث بالحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان، فأما أهل الحرمين من التابعين فقد أكثروا الرواية عنه مثل عمرو بن دينار، وعطاء بن أبي رباح، ومن أهل مصر: يزيد بن أبي حبيب وغيره، ومن اليمن: الحكم بن أبان، وإسماعيل بن شروس، ووهب بن نافع، ومن الشام: مكحول، وأبو وهب الكلاعي، وسليمان الأشدق، ومن العراق: قتادة، وأيوب، ويونس بن عبيد، ومن خراسان: يزيد النحوي، وعيسى الكندي، وعبد اللَّه العتكي وغيرهم.
وقال أبو أحمد الحاكم: احتج بحديثه عامة الأئمة القدماء، لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من حيز الصحاح احتجاجًا بما نذكره، وذكر قصة نافع مع ابن عمر. وروى أيوب عن عكرمة أنه قال له: أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي، ألا يكذبوني في وجهي؟ فإذا كذبوني في وجهي فقد كذبوني. قال سليمان بن حرب: وجه هذا يقول إذا قرروه بالكذب، ولم يجدوا له حجة.
وقال أبو عبد اللَّه محمد بن نصر المروزي: عكرمة قد ثبتت عدالته بصحبة ابن عباس وملازمته إياه، وبأن غير واحد من أهل العلم رووا عنه وعدلوه، وما زال العلماء بعدهم يروون عنه، قال: وممن روى عنه من جلة العلماء: ابن سيرين، وجابر بن زيد، وطاوس، والزهري، وعمرو بن دينار، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهم قال: وكل رجل ثبتت عدالته برواية أهل العلم عنه وحملهم حديثه، لم يقبل فيه تجريح أحد جرحه، حتى يثبت ذلك عليه بأمر لا يحتمل أن يكون جرحه، وأما قولهم: فلان كذاب فليس مما يثبت جرح حتى يتبين ما قاله.
قال أبو عمر بن عبد البر رحمه اللَّه تعالى: جماعة الفقهاء وأئمة الحديث الذين لهم بصر بالفقه والنظر، هذا قولهم أنه لا يقبل من ابن معين ولا من غيره في من اشتهر بالعلم وعُرف به وصحت عدالته، وفهمه، جرح إلا أن يتبين الوجه الذي يجرحه به على حسب ما يجوز من تجريح العدل المبرز العدالة في الشهادات، وهذا الذي لا يصح أن نعتقد غيره، ولا يحل أن يلتفت إلى خلافه، وعكرمة من جلة العلماء، لا يقدح فيه كلام من تكلم فيه؛ لأنه لا حجة مع أحد تكلم فيه، وقد يحتمل أن يكون مالك جبن عن الرواية عنه، لما بلغه عن ابن المسيب فيه، ويحتمل أن يكون لما نسب إليه من رأى الخوارج. وكل ذلك باطل عليه إن شاء اللَّه تعالى.