أهل الغباوة، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب، والعجب كل العجب: ممن علم حال عكرمة ومكانه من مولاه وطول مكثه معه وبين ظهراني الصحابة، ثم من بعد ذلك من خيار التابعين والخالفين، وهم له مقرظون، وعليه مثنون، وله في الدين والعلم مقدمون، وله بالصدق شاهدون، ثم يجيء بعد مضيه لسبيله بدهور زمان نوابغ يجادلون فيه، من يشهد له بما شهد له من ذكرنا من خيار السلف، وأئمة الخلف من مضيه على ستره وصلاحه وحاله من العدالة، وجواز الشهادة في المسلمين بأن كل ما ذكرنا من حاله عمن ذكرنا عنه، لا حقيقة له ولا صحة، بأن خبرًا ورد عليهم لا صحة له عن ابن عمر، وقد بيَّنا من احتمال هذا القول من ابن عمر من الوجوه ما قد مضى ذكر بعضها، وهم مع ذلك من استشهادهم على دفع عدالة عكرمة وجرحهم شهادته وتوهينهم روايته بما ذكرنا من الرواية الواهية عن ابن عمر، عندهم نافع مولى ابن عمر فيما نقل وروى من خبر في الدين حجة، وفيما شهد به عدل ثقة مع صحة الخبر عن سالم مولاه، أنه قال: إذ خبر عنه أنه يروي عن أبيه عبد اللَّه بن عمر، من استجازته إتيان النساء في أدبارهن: كذب العبد، وذلك صريح التكذيب منه لنافع، فلم يرو ذلك من قول سالم لنافع: جرحًا ولا عليه في روايته طعنًا، ورأوا أن قول ابن عمر لنافع: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس، له جرح وفي روايته طعن يسقط شهادته.
قال أبو جعفر: ولم يعارض قائلي ما ذكرنا في عكرمة بما قيل في نافع طعنًا منا على نافع بل أمرهما عندنا في أن ما نقلا في الدين من خبر حجة لازم العمل به، ولكنا أردنا أن نريهم تناقض قولهم، وغير بعيد أن يكون الذي حكى عن ابن عمر في عكرمة نظير الذي حكى عن سعيد فيه.
وأما ما نسب إلى عكرمة من مذهب الصفرية، فإنه لو كان كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الردية ونحلة، لم يثبت عليه ما ادعى عليه من ذلك ونحلة، يجب علينا إسقاط عدالته وإبطال شهادته، وترك الاحتجاج بروايته للزمنا ترك الاحتجاج برواية كل من نقل عنه أمر من محدثي الأمصار كلها؛ لأنه لا أحد منهم إلا وقد نسبه ناسبون إلى ما يرغب له عنه قوم ويرتضيه آخرون.
"الأنساب" لمصعب: كان عكرمة يتهم برأي الأباضية، فلهذا قيل: لا تكذب علي كما كذب فلان على ابن عباس، وذلك أنه روى عنه من بعض الرأي أنه عزا ذلك الرأى لابن عباس؛ فقيل فيه هذا لذلك.