للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

انظر إلى الأمم الماضية، والملوك الفانية، كيف أفنتهم الأيام، ووافاهم الحمام، فأضحت من الدنيا آثارهم، وبقيت فيهم أخبارهم:

وأضحوا رميمًا في التراب وعطلت ... مجالس منهم أقفرت ومقاصر

وخلوا بدار لا تزاور بينهم ... وأنى لسكان القبور تزاور

فما أن ترى إلا قد ثووا بها ... مسطحة تسفي عليها الأعاصر

كم من ذي متعة وسلطان، وجنود وأعوان، تمكن من دنياه، ونال فيها ما تمناه، وبنى القصور والدساكر، وجمع الأعلاق والذخائر:

فما صرفت كف المنية إذ أتت ... مبادرة تهوى إليه الذخائر

ولا دفعت عنه الحصون التي بنى ... وحف بها أنهاره والدساكر

ولا قارعت عنه المنية حيلة ... ولا طمعت في الذب عنه العساكر

أتاه من اللَّه ما لا يرد، ونزل به من قضائه ما لا يصد، فتعالى اللَّه الملك الجبار، المتكبر القهار، قاصم الجبارين، ومبيد المتكبرين:

مليك عزيز لا يرد قضاؤه ... حكيم عليم نافذ الأمر قاهر

عنا كل ذي عز لعزة وجهه ... فكل عزيز للمهيمن صاغر

لقد خضعت واستسلمت وتضاءلت ... لعزة ذي العرش الملوك الجبابر

فالبدار البدار، والحذار الحذار من الدنيا ومكائدها، وما نصبت لك من مصائدها، وتحلت لك من زينتها، وأظهرت لك من بهجتها:

وفي دون ما عانيت من فجعاتها ... إلى رفضها داع وبالزهد أمر

فجد ولا تغفل فعيشك زائل ... وأنت إلى دار الإقامة صائر

ولا تطلب الدنيا فإن طلابها ... وإن نلت منها غبة لك صائر

وقال العتبي: عن أبيه: كان علي بن حسين أفضل بني هاشم. وعن ابنه محمد بن علي قال: كان أبي إذا مرت به جنازة يقول:

نراع إذا الجنائز قابلتنا ... ونلهو حين تمضي ذاهبات

كروعة ثلة لمغار سبع ... فلما غاب عادت راتعات

انتهى.

هذان البيتان عزاهما الزبير في "المجالسة" لعروة بين أذينة، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>