وقال: ألم تسمع ما قال لي هذا الشيخ؟ قال: نعم، قال: إنك إذا فقدت هذا الشيخ لم تر مثله أبدًا.
وحكى عنه الجاحظ: أَنَّه صَلَّى أربعين عامًا الفجر بوضوء المغرب، وحَجَّ أربعين حجة ماشيًا، وإن بعيره لموقوف على من أحصر، وكان يُحيي الليل بركعة واحدة وترجيح آية واحدة.
وحكى أن زلزلة وقعت بالبصرة فمالت اسطوانة في الجامع فما بقي قائم إلا خَرَّ قاعدًا ولا قاعدًا إلا خمد، وإن عمرًا ليصلي بقربها ما التفت إليها.
وقال عمرو: حضرت مجلسه في المسجد الحرام فسأله رجل عن مسألة فأجاب فيها، فقال الرجل: يا قدري؛ فقام إليه الثوري بنعله فقال: يا عدو اللَّه؛ أتستقبل الرجل الصالح في وجهه! وقال أبو الهذيل: جاء رجل إلى عمرو فسأله عن شيء فلم يجبه كأنه استثقله؛ فقال الرجل:[البسيط]
إن الزمان وما تفنى عجائبه ... أبقى لنا ذنبًا واستأصل الرأسا
فقال عمرو: كانك تعني واصلا، إي واللَّه كان لي رأسًا وكنت له ذنبًا.
وجاءه رجل فقال: يا أبا عثمان؛ حضرت مجلس موسى الأسواري فذكرك وعابك. فقال له عمرو: ما رعيت حق الرجل، تحضر مجلسه وتؤدي إلينا سقطاته، إذا لقيته فأقرئه مِنِّي السلام. وقال له خالد بن صفوان: لِمَ لَمْ تأخذ مِنِّي فتقضي دينًا إن كان عليك؟ فقال: ما أخذ أحد من أحدٍ شيئًا إلا ذل له، وأنا أكره ذلك. وقال فيه الحسن بن أبي الحسن: عمرو وما عمرو، إذا قام بأمر قعد به، وإذا قعد بأمر قام به، وما رأيت علانية أشبه بسريرة من علانيته، ولا سريرة أشبه بعلانية من سريرته.
وقيل لعمرو: يجوز أن يُنحر قبل أن يصلي الإمام؟ فقال: إذا كان الإمام يجوز أن ينحر فيجوز أن ينحر قبل أن يصلي.
ولما بلغ المنصور أن عبد اللَّه بن حسن بن حسن كاتب عمرو بن عبيد قال: ذهبت البصرة وذهب بذهابها مكة، والمدينة، والبحران، واليمامة، والأهواز، وفارس، وخراسان. فانحدر إلى البصرة وقام بالجسر الأكبر، وبعث إلى عمرو بن عبيد فأتاه، فقال: أكنت أجبت عبد اللَّه عن كتابه إليك؟ فقال: أتاني كتاب معنون باسمه وكنيته، ما فككته ولا عرفت خطه، وما بيني وبينه أمارة أعرفها، قال: فابعث من يحمل الكتاب إليَّ.