ما يعطيه فيتغير لذلك وجهه، ويقول: أبشر فسوف يأتي اللَّه تعالى بخير. فقال: فيُقيض اللَّه تعالى لابن شهاب أيما رجل يهدي له أو يُقرضه أو يبيعه وينظره، قال: وكان يطعم الناس الثريد في الخصب وغيره ويسقيهم العسل. قال: وكان يَسْمُر على العسل كما يَسْمر أصحاب الشراب على شرابهم ويقول: اسقونا وحدَّثونا. فإذا رأى أحدًا من أصحابه قد نعس قال له: ما أنت من سُمار قريش الذين قال تعالى فيهم: {سَامِرًا تَهْجُرُونَ}[المؤمنون: ٦٧] قال: وسمعته يبكي العلم ويقول: يذهب العلم وقليل من يعمل به.
وقال معمر: كان محمد قصيرًا، وكان أول داخل وآخر خارج على عمر بن عبد العزيز، وكان أراد أن يستعمله على العراق فبلغه أنه يقول: إِنَّ عمرًا يتعلم مِنِّي. فقال: قد تعلمنا منه عِلْمًا كثيرًا. ثُمَّ جفاه بعد.
وقيل ليحيى بن معين: مَنْ كان أحفظ الزهري أو قتادة؟ فقال ابن معين: حكى عن الزهري أنه قال: إني لأمر بالمغنية وهي تغني فأسد سمعي. قيل له: ولِمَ؟ قال: لأنه ما وصل إلى قلبي شيء قَطُّ ثم خرج منه.
وقال أحمد بن حنبل: سألت يحيى بن سعيد مَنْ كان أحفظ الزهري أو قتادة؟ فقال: ما فيهما إلا حافظ، ثم قال يحيى: الحفظ نِحْلة مِنَ اللَّه تعالى. وكان قتادة مَنْحولا، وأما الزهري فإنه حكى عنه أنه قال: رأيت في المنام أشرب ماء زمزم؛ فإنه لما شرب له فقمت فأسبغت الوضوء، وصليت أربع ركعات، ثم شربته للحفظ فحفظت فما سمعت شيئًا فأنسيته.
وقال ابن معين: الْحُفَّاظ المعروفون بالحفظ: الزهري بالمدينة، وقتادة بالبصرة، وسليمان بن مهران بالكوفة، وكل واحد منهم إمام في نفسه ضابط لما هو فيه من الحفظ ومعرفة تصريف الأخبار. وقال معمر: ما سمعت متفوهًا بالحديث أحسن تفوهًا من الزهري.
وقيل ليحيى: مَنْ أول من أَلَّف الحديث بالمدينة؟ قال: الزهري مُحَدث بلده في عصره. قيل له: أرأيت ما حكي من طريق إيتائه السلطان؟ فقال يحيى: لسنا ننظر إلى هذا إنما ننظر إلى مخرج الحديث والصدق في القول.
وعن يعقوب بن عبد الرحمن أَنَّ عمرَ بن عبد العزيز كتب إلى ابن شهاب ليقدم عليه فأبطأ عنه؛ فلما قدم قال: يا ابن شهاب، أما لو كان غيرنا ما أبطأت عنه لقد قلبتك ظهرًا لبطن فوجدتك بني دنيا.