للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحافظ الذهبي رحمه اللَّه.

وليس من شرط الثقة أن يُتابع في كل ما يقول، بل من شرطه ألا ينفرد بالمناكير عن المشاهير، ويكثر منه ذلك.

فها هو حماد بن زيد، والإمام مالك، وسفيان الثوري، وشعبة، ويحيى بن سعيد القطان، وغيرهم من سادات الحُفاظ الذين بلغوا في الحفظ غاية كبيرة، قد ثبت أنهم أخطئوا في بعض الأحاديث، وهذا لا يعني إذا أخطأ الراوي في حديثٍ ما، أن نبطل جميع أحاديثه، أو أن نقضي عليه بأنه ضعيف، ولكن يريدون أن الراوي إذا كانت غالب أحاديثه صحيحه مستقيمة، فإنهم يحكمون عليه بأنه ضابط، وأن حديثه الأصل فيه إذا ورد أن يكون صحيحًا، والموضع الذي أخطأ فيه يكون حديثه فيه ضعيفًا.

قولهم: (فلان ثقة له أوهام، أو له أفراد، أو يغرب). فهذا اللفظ وإن كان دون قولهم ثقة، إلا أنه لا ينزل عن هذه المرتبة، وحديث من هذا حاله، محمول على الصحة، حتى يثبت أن هذا الحديث من أوهامه أو أخطائه، فيترك. نعم، إذا عارضه ثقة، فحديث الثقة مقدَّمٌ عليه.

وقال ابن حبان في ترجمة أبي بكر ابن عياش:

كان أبو بكر ابن عياش من الحُفاظ المتقنين، يروي عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وقد روى عنه ابن المبارك وأهل العراق. وكان يحيى القطان، وعلي بن المديني، يُسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كبر سِنُّه، ساء حفظه، فكان يَهِمُ إذا رَوَى، والخطأ والوَهْم شيئان لا ينفكُّ عنهما البشر، فلو كثر خطؤه حتى كان الغالبَ على صوابه، يستحق مجانبة رواياته، فأما عند الوَهْم يهم، أو الخطأ يخطئ، لا يستحقُّ ترك حديثه بعد تقدم عدالته وصحة سماعه. . . . والصواب في أمره: مجانبة ما علم أنه أخطأ فيه، والاحتجاج بما يرويه، سواء وافق الثقات أو خالفهم؛ لأنه داخل في جملة أهل العدالة، ومن صحَّت عدالته لم يستحقَّ القدح ولا الجرح، إلا بعد زوال العدالة عنه بأحد أسباب الجرح، وهكذا حُكم كل محدِّث ثقة صحَّت عدالته وتبيَّن خطؤه.

وقال في ترجمة داود بن أبي هند:

وكان داود من خيار أهل البصرة، من المتقنين في الروايات، إلا أنه كان يَهِمُ إذا حدَّث من حِفظه، ولا يستحقُّ الإنسان التركَ بالخطأ اليسير يخطئ، والوهم القليل يهم، حتى يفحش ذلك منه؛ لأن هذا ممَّا لا ينفكُّ منه البشر، ولو كُنَّا سلكناه المسلك، للزمنا ترك جماعة من الثقات الأئمة؛ لأنهم لم يكونوا معصومين من الخطأ، بل الصواب في هذا ترك من فحش ذلك منه، والاحتجاج بمن كان منه ما لا ينفكُ منه البشر.

وقال في ترجمة عبد الملك ابن أبي سليمان ميسرة العرزمي:

كان عبد الملك من خيار أهل الكوفة وحُفاظهم، والغالب على من يحفظ ويحدث من

<<  <  ج: ص:  >  >>