وذكرت زوجه فاطمة: أن زوجها قام لورده وقعد يقرأ في المصحف؛ إذ سمع جلبة، فنظرنا فإذا العسكر والمشاعل، وهم يقولون: الأمير عبد اللَّه بن طاهر يزور أبا زكريا، قالت: فعرفناه الخبر، فقال: إذا بلغ الباب فآذنوني، قالت: وكان أبو زكريا لا يحضره، وكان ابن طاهر يشتهي أن يراه، فلما دقوا الباب فتحنا، فدخل الأمير وحده، فلما قرب من أبي زكريا وسلم، قام إليه والمصحف في يده، ثم رجع إلى قراءته حتى ختم السورة التي كان افتتحها، ثم وضع المصحف واعتذر إليه، وقال: لم أشتغل عنك تهاونا بحقك، وإنما كنت افتتحت سورة فأحببت ختمها، فقعد عبد اللَّه ساعة، ثم قال: ارفع إلينا حوائجك، فقال يحيى: وهل يستغني عن السلطان إلا اللَّه تعالى؟ وقد وقعت لي حاجة في الوقت، فإن قضاها شكرته، فقال: مقضية ما كانت، فقال يحيى: قد كنت أسمع بمحاسن وجه الأمير، ولم أعاينها إلا ساعتي هذه، وحاجتي إليك ألا تركب شيئًا يخرق هذه المحاسن بالنار، فأخذ الأمير في البكاء حتى قام وهو يبكي.
قرأت بخط أبي عمرو المستملي: حدثني أبو الطيب طَيْفُورٍ يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: يحيى بن يحيى أحسن حديثا من عبد اللَّه بن المبارك، ثم قال لي: قل: ولم؟
قلت: ولم؟
قال: لأن يحيى أخرج من علمه ما كان ينبغي له أن يخرجه، وأمسك عما كان ينبغي له أن يُمسك عنه.
وقال الحسين بن منصور: سمعت عبد اللَّه بن طاهر يقول: شك يحيى بن يحيى عندنا يقين.
قال الحسين: ورد إسحاق بن إبراهيم بنيسابور وقد ركبته ديون، فادعوا عليه فحبس، فاجتمع أهل الحديث إلى يحيى، وسألوه أن يرسل للأمير في أمره، فأبى عليهم، فسألوه أن يأذن لأحمد بن يوسف السلمي في ذلك، فأذن له، فكتب السلمي رقعة من يحيى إلى الأمير، فلما وصلت الرقعة إليه قبلها ولم يزل يضعها على عينيه، ويقول: يحيى بن يحيى لا يَسْتحل أن يدخل علينا ولا يرانا، وقد سألنا حاجة، ثم وقع على ظهر القصة بأن يقضى عن إسحاق تلك الديون. وعن الحسين بن منصور: قال هشيم: ما أخرجت كتابي إلا إلى يحيى بن يحيى. وقال أبو الطيب: سمعت إسحاق الحنظلي يقول: أنبا يحيى بن يحيى وكان عاقلا.