لا تخفى أهميَّةً ومنزلة هذا المصدر الحديثي "المُجتبى"(أو: السنن الصغرى) للإمام النسائي على كلِّ مشتغل بالحديث أو باحث، فضلًا عن أولويته لطالب العلم، فهو أحد الأصول السِّتَّة التي عليها مدارُ الأحكام الشرعيَّة، وهو متقدم على بعضها؛ وإن كان الإمامُ النَّسائي آخِرَ السِّتَّةِ وفاة.
وهو أحد أهم دواوين السُّنَّة، اعْتَنَى فيه الإمامُ النّسائي بكثرة الطرق، واختلاف النَّاقلين، مع حَظٍّ كبير من بيان العلل، وأبان فيه الوجه الصحيح للحديث - أو المحفوظ منه - من الأوجه الأخرى؛ بالتّصريح بذلك أحيانًا، وبالاكتفاء بذكر مُخْتَلِفِ طرق الحديث أحيانًا أخرى على وَجْهٍ يعرفُه المشتغل بهذا الشأن، ويفهمه أهلُ المعرفة، وأبانَ فيه أيضًا عن دِقَّةِ فَهْمِهِ للمُتون بما ترجَمَ لها من مسائل فقهية استنبطها منها.
وقد كان هذا الكتابُ مَحَلَّ اهتمام الأئمة والباحثين والدارسين للحديث النبوي الشريف في الماضي والحاضر، كما كان ذلك لسائر كتب السنة الأخرى.
فمنهم مَنْ تناول صناعته الحديثيَّة، فتكلَّم في منهجه وطريقة تأليفه وترتيب أحاديثه.
ومنهم مَنْ ذهب إلى دراسةِ فِقْهِهِ الذي وضعَه من خلال تراجم الأحاديث.
ومنهم مَنْ قامَ بدراسة رواته ومنهجه في الجرح والتعديل.
ومنهم مَنْ جمعَ رُباعياته … إلى غير ذلك …
وسأتناولُ في هذه التَّقدمة اليسيرة أبرز ما يتعلَّق بالكتاب باختصار، وتفصيل ذلك في كتب الباحثين والدارسين (١).
(١) من الدِّراسات الحديثة: الإمام النسائي وكتابه المُجتبى للدكتور عُمر إيمان أبو بكر، الاتِّجاه الفقهي للإمام النسائي للدكتور حميد سيد حسن علي ترتيب الحديث في المجتبى للنَّسائيّ الدّلالة الإسناديَّة والفقهيّة للدكتور نبيل زياني، المدخل إلى سُنن الإمام النسائي =