الحمدُ لله الذي مَنَّ على عباده المؤمنين بالنَّبيِّ المُجْتَبَى، وجعلَ سُنَنَهُ تِبيانًا لِمَا أَنزَلَ عليه من الذِّكْر؛ فأنعم عليهم وتَفَضَّلَ وكَفَى، ونالَتْ به أَمَّتُهُ الشَّرَفَ العظيم لاختصاصها به على سائر الأمم، وذلك فضل الله يؤتيه مَنْ شاءَ واصطفى.
له الحمد حمدًا كثيرًا أن هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولاه، ومَن الذي يستحقُّ الحمد سواه؟
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، إله واحدٌ، لا إلهَ إلا هو الرَّحْمنُ الرَّحيم، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كله ولو كَرِهَ المشركون.
اللهم صل على هذا النبي الكريم، سَيِّدِ الأوَّلين والآخرين، وخاتَمِ النَّبِيِّين، وإمام المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاةً دائمةً بدوامك، وسَلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
وبعد، فإنَّ الإيمان بالله تعالى أعظم نعمةٍ منه ومِنَّة، وسعادةُ الدَّارَيْنِ لَا تُنالُ إلا باتِّباع هَدْيِ النَّبِيِّ ﷺ والاقتداء بسنته، فقد ترك أمَّتَهُ على بيضاء نقيَّة، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
ومعلومٌ أنَّ سنّه ﷺ وهي المصدرُ الثاني للتشريع، وهي ما رُوي عنه ﷺ من قول أو فعل أو تقرير، وهي مُبَيِّنَةٌ ومُفَسِّرةٌ لِما جاء في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤]، وقال: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)﴾ [النحل: ٦٤]، فكان من هذا البيانِ والتَّبيين من النبي الكريم أنْ عَلَّمَ أمَّتَهُ أحكام